آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

العدالة الاجتماعية

محمد أحمد التاروتي *

الاحساس بالحيف والظلم بمثابة المحرك الاساس، باتجاه اعادة التوازن لدورة الحياة بالمجتمع، فالسكوت على اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء، يسهم في زيادتها بشكل كبير ومضطرد، فيما محاولة رفع الصوت عاليا يشد الانتباه، مما يسهم في توقيف تلك الهوة مؤقتا، بغرض اعادة الامور تدريجيا للنصاب السليم، بيد ان مقاومة الحيف لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، ليس مدعاة لرفع قانون ”الفقر - الغني“ بشكل كلي، باعتباره من الاشياء الطبيعية القائمة على التفاوت في مستوى الثراء، اذ لا يمكن تصور الحياة عند مستوى معيشي موحد على الاطلاق بين البشر.

العدالة الاجتماعية تخلق حالة من الانسجام، والتكاتف الاجتماعي، فالمرء الذي يشعر بالتهميش يصاب بنوع من ”الضمور“ الولائي للبيئة الاجتماعية، نظرا لاحساسه بالظلم والقهر جراء تمتع طبقة صغيرة بالامتيازات، مقابل شريحة واسعة تعاني من الحرمان، وعدم القدرة على العيش، وتأمين متطلبات الحياة الكريمة، الامر الذي يظهر على شكل انفعالات وممارسات عديدة، بعضها واضحة للعيان عبر الجنوح، لرفع الصوت سلميا احيانا، وبالعنف احيانا اخرى، فيما تبقى الكثير من الممارسات غير معلنة نتيجة اعتبارات مختلفة، وبالتالي فان محاولة امتصاص حالة الاحتقان الداخلي مرتبطة بالقدرة، على توفير اسباب العيش الكريم لمختلف الشرائح الاجتماعية.

الشعور بغياب العدالة الاجتماعية، يحرض بعض الاطراف الخارجية، لمحاولة استغلال تلك الظروف، حيث تتحرك تلك الاطراف للاستفادة من الاحتقان الداخلي، عبر تقديم بعض المساعدات او التدخل في الشؤون الداخلية، خصوصا وان الامتعاض الاجتماعي بمثابة نافذة تمهد للمرور من خلالها، بمعنى اخر، فان الولاء الوطني يتراجع لدى البعض بمجرد الشعور بنوع من المعاناة، بحيث تكون اداة رخيصة في ايادي الاطراف الخارجية، بينما الشريحة الكبرى ترفض الاجندات الخارجية وتلفظ الاغراءات العديدة، وبالتالي فان سحب ورقة التدخلات الخارجية مرتبطة بالقدرة، على تحقيق اكبر قدر من العدالة الاجتماعية.

النزول الى الشارع، ومحاولة التعبير عن الاعتراض، على التفاوت الطبقي بالمستوى المعيشي، يمثل الخيار الاصعب بالنسبة للكثير من الشرائح الاجتماعية، نظرا لتداعياته السلبية على التركيبة السكانية، وكذلك على مستقبل التنمية الاقتصادية، بيد ان وصول الاحتفان لمستوى الانفجار، يدفع باتجاه اختيار الطريق الاصعب، في ايصال الصوت الى الطبقات المستفيدة من الثروات الوطنية، بمعنى اخر، فان التحرك الاجتماعي لتقليص الفجوة بين الفقراء والاغنياء، ينطلق من مشتركات، ولكنها تصب في خانة محاولة الاستفادة من الخيرات الكبيرة، للدخول في دورة الحياة الكريمة، لاسيما وان العدالة الاجتماعية اساس الاستقرار في مختلف الاصعدة، سواء على المدى القصير، او البعيد.

تقييم الاوضاع بشكل سليم، يمثل احد العناصر الاساسية لمقاربة الامور، والسعي لتحقيق اكبر قدر من العدالة الاجتماعية، خصوصا وان الاستغلال الامثل للموارد الاجتماعية، وعدم محاباة طبقات اجتماعية على اخرى، يساعد في خلق الظروف الملائمة لتقليص الهوة بين الشرائح الاجتماعية، بمعنى اخر، فان لجم الاحساس بالحيف مرتبط بنوعية البرامج المقدمة، لمختلف الشرائح الاجتماعية، فاذا وضعت في الاعتبار الشعور الاهتمام بمختلف الطبقات الفقيرة، والحرص على رفع مستوى المعاناة اليومية، فان التحرك يكون ايجابيا بشكل عام، نظرا لوجود رغبة وارادة صادقة، في تصحيح الاوضاع بما يخدم الجميع، بعيدا عن محاباة شريحة على اخرى، وبالتالي فان البرامج الانمائية تمثل احد العناصر، لانتشال الشرائح الفقيرة من الوضع البائس، باتجاه تحسين المستوى المعيشي.

كاتب صحفي