آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 3:44 م

المناصرة.. المفهوم

محمد أحمد التاروتي *

”انصر اخاك ظالما او مظلوما“ قاعدة كانت سارية لدى القبائل العربية في الجاهلية، فالقبيلة على استعداد لتقديم الغالي والنفيس، في سبيل الوقوف الى جانب احد ابنائها، سواء كان الفرد ظالما او مظلوما، لاسيما وان القبيلة تعتبر الوقوف مع بعضها البعض، جزء اساسيا في الميثاق المنصوص عليه، وتعبيرا عمليا على الانتماء الوثيق للقبيلة، مما يستدعي التحرك السريع بمجرد طلب النصرة، الامر الذي ساهم في نشوب الكثير من الحروب، والعديد من الخلافات، جراء سوء فهم شخصي وقع بين طرفين بقصد او بدون قصد، اذ سرعان ما ينتقل الخلاف من الاطار المحدود الى النطاق الواسع، بحيث تزهق الارواح على مدى سنوات طويلة، بمعنى اخر، فان مبدأ المناصرة يفرض على الجميع الوقوف، بعيدا عن اعتبارات الحق او الباطل.

هذه القاعدة ما تزال قائمة عبر مفاهيم متعددة، ووفقا لمتطلبات المرحلة والمصالح الشخصية، او القومية احيانا، اذ تتجلى من خلال العديد من الممارسات والكثير من الاعمال، بحيث تقوم الدنيا ولا تعقد بمجرد المساس باحد الاشخاص، الذين يحظون بالمباركة والاهتمام، الامر الذي يتمثل في الدخول في نزاعات تأكل الاخضر واليابس، مما يسبب في تدمير العلاقات الاجتماعية، وتفجير الصراعات الفئوية، خصوصا وان العملية ليست مرتبطة بمبادئ اخلاقية او قيم انسانية، بقدر ما تنطلق من اهواء ونوازع شيطانية، بمعنى اخر، فان التحرك باتجاه المناصرة ليس مرتبطا بمثياق اجتماعي جامع، بقدر ما ينطلق من مصالح شخصية او مآرب اجتماعية، مما يفرض اتجاه موقف متشنج دون وعي، او ادراك بالتداعيات المترتبة، على اطلاق العنان لتفجير الخلافات الداخلية.

المناصرة القائمة على القواعد القبلية، تكرس الشقة في البيئة الاجتماعية الواحدة، نظرا لاختفاء صوت العقل، وسيطرة النزعة الفوقية، بدلا من مبدأ التلاقي وتعزيز اللحمة الاجتماعية، فاللجوء الى العنف في الخلافات الشخصية، يقابل بمواقف مشابهة، واحيانا اشد قوة، مما يفوت الفرصة على تقريب وجهات النظر، وتطويق الخلافات، ومنع اتساع دائرته، خصوصا وان البعض يحاول اظهار الاهتمام بموقف غير ناضج، ومتسرع في الغالب، وبالتالي قطع الطريق امام محاولات ازالة اسباب التوتر، وتهيئة المناخ المناسب، لاعادة الامور لسابق عهدها، من خلال وضع قواعد جديدة تمنع الاشتباك، وتؤسس لمرحلة قائمة على تغليب المصالحة المشتركة، عوضا من تقديم المصالح الشخصية.

التحول باتجاه احد الاطراف، ليست مدعاة لاتخاذ ذات المواقف، فالمرء قادر على تحديد مسارات خاصة، تعتمد على توحيد الصف، ورفض مساعي الفرقة، بمعنى اخر، فان الوقوف باتجاه مواقف خاصة، لا يعني الوقوف بشكل كامل مع المواقف دون تمحيص او اخيتار الصائب منها، خصوصا وان الرؤية المتوازنة تستدعي ايجاد تقييم الامور بشكل دقيق، لاسيما وان توحيد الموقف يساعد على تكريس الوئام، ورفد المجتمع باسباب النهوض، عبر تدعيم الجبهة الداخلية، نظرا للتداعيات الناجمة عن اثارة النزاعات بالمجتمع، بمعنى اخر، فان المناصرة تتطلب تحديد الخيارات، وعدم الانسياق دون وعي، بما يدمر التماسك الاجتماعي، لاسيما وان اتخاذ المواقف الداعمة للخلافات يحرم المجتمع من استمرارية، البناء الذاتي القائم على التلاحم والتعاضد والعمل بشكل جمعي، وبالتالي فان سيطرة الخلافات الداخلية على المشهد العام، لا يترك مجالا للنهوض الشامل، او ايجاد البيئة الملائمة، لخلق كيان متماسك، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

كاتب صحفي