آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

التنافس.. المراوغة

محمد أحمد التاروتي *

المنافسة السبيل احدى الوسائل لفرز الطاقات الكفوءة من غيرها، فالاعتماد على النظرة، او الحدس ليس كافيا، لتفجير القدرات الكامنة، فالمرء يجاهد في سبيل ابراز موهبته، عبر الانخراط في التحديات بمختلف المجالات، مما يستدعي التفكير الجاد والعمل على احداث تغييرات جوهرية، من اجل البروز وتقديم الجديد على الدوام، بحيث يجعله في المقدمة دائما، الامر الذي يخوله لاحتلال مواقع متقدمة، وبالتالي فان المنافسة اطار طبيعي في اختيار المؤهلات، والحصول على الكفاءات القادرة، على النهوض بالعمل بالشكل المطلوب.

الانخراط في التنافس اجراء اعتيادي، وهو من الممارسات المألوفة على الدوام، اذ من الصعب وضع الجميع عند مستوى واحد، نظرا لتفاوت القدرات العقلية، والامكانيات الثقافية، والمؤهلات العلمية، مما يفرض وضع معايير ثابتة، واحيانا متغيرة، لاكتشاف الكفاءات، في كافة المجالات العلمية والعملية، وبالتالي فان التنافس بمثابة الخطوة الاساس لوضع النقاط على الحروف، ومحاولة التغلب على حالة الارباك، والحيرة في الاختيار، ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“، بمعنى اخر، فان التحولات على الارض تفرض نوعية المنافسة المناسبة، فالظروف التاريخية، والبيئة الاجتماعية، تشكل احد العوامل في وضع معايير المنافسة، تبعا للمستوى الثقافي، وكذلك طبيعية التفكير لدى المجتمع، مما يستدعي محاولة وضع تلك العوامل في الاعتبار.

ايجاد المناخ الملائم لتطوير الكفاءات عملية ضرورية، بهدف توفير الظرف المناسب، لاخراج المنافسة بالطريقة الملائمة، فالفوضى لعبة مرفوضة في جميع الاحوال، نظرا للتداعيات المترتبة على تحكيم العشوائية، في الاعمال على اختلافها، مما يستدعي انتهاج اطار تنظيمي واضح، لارساء قواعد اساسية قادرة، على تحريك الطاقات المكبوتة لدى الافراد، بحيث تظهر على شكل ابداعات، واعمال خارقة، وبالتالي فان توفير المناخات الخاصة، لاستيعاب الطاقات بطريقة مناسبة، يسهم في الخروج بنتائج ايجابية، بينما تكون الحصيلة سلبية، وغير موفقة، بمجرد انتهاج سياسة الفوضى في العمل، لاسيما وان التنظيم يتحرك وفق خطوات واضحة، ومدروسة، مما يقود اصابة الهدف بدقة في نهاية المطاف.

ارساء قواعد المنافسة الاخلاقية، والقائمة على انتهاج المعايير الشفافة، خطوة اساسية في تكريس القيم، والمبادئ النبيلة، في الاطراف المتنافسة، لاسيما وان تجاوز النظام وتغليب ”الواسطة“، يقتل الكفاءات، ويحطم الرغبة في الابداع، لدى اصحاب القدرات الاستثنائية، وبالتالي فان مبدأ تكافوء الفرص يمثل الملاذ الامن، والميزان الثابت في مختلف الاوقات، خصوصا وان وجود العدالة يحقق الاطمئنان في النفوس، ويدفع باتجاه اكتشاف الكفاءات الحقيقية، بينما استخدام المعايير القبلية، والنسبية، او الفئوية، تقضي على روح المنافسة الشريفة في المجتمع، وبالتالي استبعاد الكفاءات الحقيقية، وتصدر عديمي الكفاءة، المشهد الاجتماعي، الامر الذي يقود الى التخبطى والدخول في متاهات مظلمة، يصعب الخروج منها.

التحرك وفق الرؤية الثابتة في المنافسة، يعطي نتائج باهرة في الغالب، لاسيما وان الضبابية تولد حالة من الاحباط، لدى الكفاءات الحقيقية، نظرا لادراكها بعدم وجود المناخ المناسب لتفجير الطاقات، وبالتالي حرمانها من العطاء، والمساهمة في عملية البناء، بحيث يقود الى تواري هذه الكفاءات للخلف، بمعنى اخر، فان المراوغة في الاختيار تخلف اثارا سلبية، لا تقتصر على اثارها على المدى القصير، وانما تمتد لعقود قادمة، فالاعوجاج يؤدي الى الخروج عن الجادة، والدخول في طرق متعرجة، ليست قادرة على تحديد الهدف، مما يمثل نوعا من الضياع، وحرمان المجتمع، من فرص واعدة، للسير باتجاه النهوض الشامل.

كاتب صحفي