آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الاستقلالية.. التخبط

محمد أحمد التاروتي *

الاصرار على امتلاك حرية القرار، ورفض جميع الضغوط او الإملاءات، تحرك مشروع، وينسجم مع مبدأ العبودية، التي يحاول البعض تكريسها كواقع، انطلاقا من امتلاك السلطة، او نتيجة ممارسات اجتماعية متوارثة، فالفرد دائما يتحرك باتجاه تحطيم القيود، التي تعرقل حركته الاجتماعية، الامر الذي يفسر الصراع الكبير بين أنصار الاستقلالية، وجماعة الاستبعاد بمختلف اشكاله، نظرا للاثار الوخيمة الناجمة عن حرمان استقلالية القرار.

الاستقلالية شرط اساسي للانطلاق، بقوة في فضاء الابداع، والغوص في بحار الانجازات على اختلافها، لاسيما وان الشعور بالعبودية وفقدان حرية القرار، تحول دون التحرك بشكل طبيعي، خصوصا وان الطرف المقابل يرفض مبدأ التحرك دون الأذن المسبق، او اتاحة مساحة واسعة للانطلاق بعيدا عن الوصاية، الامر الذي يكرس قتل الابداع، ويكبل العقول من التفكير، بعيدا عن الضغوط المادية والمعنوية، وبالتالي فان الاستقلالية تعد المفتاح لكسر مختلف اشكال العبودية، فالإحساس بحرية التفكير، واختفاء الوصاية، يحدث حالة نفسية تترجم على اشكال تحركات، في جميع الاصعدة.

الحصول على استقلالية القرار، مرتبط بالرغبة الحقيقية، نظرا للتداعيات الناجمة عن فقدان الحرية، بحيث تبرز على شكل ممارسات عملية، من خلال رفض الإملاءات الساعية لسلب حرية القرار، مما يؤسس لمرحلة جديدة من الصراع لانتزاع الاستقلالية، لاسيما وان الطرف الاخر يحاول الإبقاء على المكاسب المترتبة، على التحكم في استقلالية قرار الطرف الضعيف، بيد ان تطور الصراع والخروج للعلن، ودخول أطراف متعددة، يسهم في التنازل والتسليم بضرورة رفع اليد، وعدم التدخل في القرارات المستقبلية، بمعنى اخر، فان منح حرية القرار لا يكون بالمجال، وإنما يأتي نتيجة صراع مرير لسنوات طويلة، واحيانا عبر الحروب الطاحنة، خصوصا وان الانسان على استعداد لتقديم المزيد من التضحيات، في سبيل امتلاك حرية القرار.

الخلط بين الاستقلالية والتخبط، امر شائع لدى البعض، فالبوصلة لهذه الفئة غير قادرة على تحديد الهدف بدقة متناهية، مما يسهم في الدخول في منطقة ملغومة، ومملوءة بالأشواك، الامر الذي يشكل خطورة كبرى، على الصعيد الفردي والاجتماعي، في الوقت نفسه، فالاستقلالية لدى البعض تعني ضرب القيم الاخلاقية، ومحاولة ادخال ممارسات غير مقبولة على الاطلاق، الامر الذي يشكل صدمة اجتماعية كبرى، جراء ضرب جميع الخطوط الحمراء، وبالتالي فان المطالبة بالاستقلالية لا تعني تدمير الذات والحط منها، بقدر ما تتحرك الاستقلالية باتجاه احترام النفس، والعمل على الرفع من شأنها، من خلال اتخاذ القرار الحكيمة ذات الامر الكبير على البيئة الاجتماعية.

امتلاك الوعي، وتوافر الخبرة الحياتية، وكذلك اتخاذ الخطوات المناسبة، عوامل اساسية لتجنب الخلط بين الاستقلالية والتخبط، لاسيما وان فوضى الحرية لا تخدم صاحبها، بقدر تجلب المتاعب، بمجرد إساءة التصرف، وعدم انتهاج الوسيلة المناسبة، وبالتالي فان الحصول على الاستقلالية بدون وعي، يترك اثارا سلبية، نظرا للافتقار لإحدى العناصر الاساسية في التوجيه السليم، بحيث يترجم على شكل قرارات خاطئة على المدى البعيد، بالاضافة لذلك فان الخبرة تلعب دروا اساسيا، في تجنب اتخاذ قرارات صادمة، خصوصا وان التجربة تحول دون تكرار الاخطاء، وكذلك الاستفادة من تجارب الاخرين، مما يساعد على توجيه الاستقلالية بالشكل السليم، فيما الافتقار للخبرة يفتح الباب امام البعض لمحاولة استغلال هذه الثغرة، في ارتكاب اخطاء كارثية بشعارات ”الاستقلالية“.

كاتب صحفي