آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:14 م

الرمز.. الهاوية

محمد أحمد التاروتي *

بقاء الرمز على قمة الهرم مرتبط بمجموعة السلوكيات، ومدى تلازم الوعود بالانجازات، لاسيما وان المحافظة على الرصيد الاجتماعي، مرهون بمدى ترجمة التعهدات، بممارسة عملية على الارض، سواء بواسطة مشاريع اجتماعية، او برامج ثقافية، او اعمال تنموية، وبالتالي فان الرمزية معرضة للاهتزاز بين لحظة واخرى، جراء عملية الرصد المستمرة من القاعدة الشعبية، مما يستدعي الحذر في كل خطوة، سواء على المدى القصير او البعيد، نظرا للآثار المترتبة على الاعمال الانفعالية، والقرارات الارتجالية.

البحث المستمر عن الرضا الجماهيري، مطلبا أساسياً في استمرارية الزخم المؤيد، فمحاولة إدارة الظهر للقاعدة الشعبية، لا تخدم على المدى البعيد، خصوصا وان البعض يشعر بنوع من القوة في فترة زمنية، مما يحفزه على اتخاذ خطوات صادمة، واحيانا معاكسة للتوجهات والتعهدات السابقة، سواء نتيجة وجود قوى خارجية، تدفع باتجاه الطلاق مع الجماهير، او بسبب امتلاك أدوات قادرة على الاستفراد بالقرار، وبالتالي فان التحرك باتجاه الانفكاك مع القاعدة الشعبية، لا يولد الاستقلالية او التربع على القمة، بقدر ما يحدث نوعا من التنافر والكراهية، بحيث تنعكس على شكل تراجع في الرصيد الاجتماعي، نظرا لوجود قناعة بانعدام المصداقية، لدى الرمز بالوفاء بالوعود السابقة.

استخدام القاعدة الشعبية جسرا للعبور الى النجومية، والصعود الى القمة، سلوك مألوف، وغير مستغرب على الاطلاق، حيث يتحرك البعض وفق قاعدة استغلال الظرف، في تحقيق مكاسب ذاتية، ومحاولة الاستفادة من الرصيد الاجتماعي، في حصد المزيد من المكاسب، مما ينعكس على صورة ممارسات انتهازية وغير اخلاقية، بحيث ينعكس على شكل رسم صورة ملائكية بعيدة عن الواقع، بهدف خلق حالة من الانبهار لدى القاعدة الشعبية، بيد ان الصورة الملائكية تتلاشى تماما بمجرد الشعور بالقوة، او الوصول الى الهدف، بحيث تتحول الصورة الملائكية الى شخصية شيطانية، ومناقضة تماما عن الشخصية السابقة المرسوم في مخيلة الجماهير.

السقوط الى الهاوية احيانا يكون سريعا، وغير متوقع على الاطلاق، بينما تكون عملية السقوط متدرجة ومرحلية وليست دفعة واحدة تارة اخرى، فالاختلاف مرتبط بنوعية السلوكيات على الارض، مما ينعكس على فقدان الرصيد الاجتماعي، بمعنى اخر، فان القاعدة الشعبية تكون ردة فعلها مرتبط بالمواقف الصادمة، وغير المتوقعة، فإذا كانت قوية للغاية وغير مدروسة، فانها ستواجه بذات القوة والسلبية، مما يؤدي الى الانحسار المدوي للتأييد الشعبي، وبالتالي فان محاولة البقاء في القمة تكون صعبة، وتتطلب جهودا كبيرة، لاعادة الثقة مجددا لاستعادة المكانة السابقة، بينما تكون معركة السقوط تدريجية خلال فترات متباعدة، نتيجة الاكتشافات المستمرة للخداع، من قبل الرمز للقاعدة الشعبية، مما يولد نوعا من النفور، وعدم الوثوق في الوعود، والتعهدات خلال الفترة اللاحقة، وبالتالي فان القاعدة الشعبية تبدأ في الابتعاد بشكل فردي في البداية، ولكن حركة العزوف سرعان ما تتطور بشكل جماعي، لتكون ظاهرة ملموسة يشعر بها الرمز بشكل عملي.

الحفاظ على الرمزية يتطلب الكثير من الجهد، والبحث الدائم عن نقاط القوة، وسد الثغرات، والتحرك الدائم على ايجاد المناخات المناسبة، لتعزيز الثقة عبر التفاعل مع القاعدة الشعبية، والابتعاد عن الممارسات التي توسع الهوة مع الجماهير، فالرمزية عملية تراكمية تتطلب الكثير من العمل، وبالتالي فان هناك واجبات والتزامات من جميع الاطراف، مما يستدعي وضع تلك المتطلبات في الحسبان على الدوام، خصوصا وان الحرص على الاخذ وتغافل العطاء، تكون عواقبه وخيمة على المدى المتوسط والبعيد، بينما تكون اثاره السلبية طفيفة في الحقبة الزمنية القصيرة، الامر الذي يتطلب التحرك وفق قاعدة الوفاء بالتعهدات، والحرص على ترجمة الوعود للحفاظ على الرصيد الشعبي، بغرض البقاء في القمة وتفادي السقوط في الهاوية، خصوصا وان خطورة السقوط تكون كبيرة للغاية، على الصعيد الشخصي، والشعبي في الوقت نفسه.

كاتب صحفي