آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الشرعية

محمد أحمد التاروتي *

تشكل الشرعية الغطاء القانوني، لممارسة النشاط الاجتماعي، باعتبارها الورقة القوية للوقوف امام الاعتراضات لمصادرة من الفئات المختلفة، خصوصا وان النفوذ الاجتماعي يتطلب الحصول على الاعتراف من مختلف الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان فقدان الغطاء القانوني يعرقل عملية ممارسة الدور بالشكل الطبيعي، لذا فان سلب الشرعية يسهم في انحسار النفوذ الاجتماعي سواء بشكل جزئي او كامل.

يحرص الكثير على الاحتفاظ بورقة الشرعية، في مختلف الظروف، ومحاولة القتال حتى اللحظة الاخيرة لمنع استلاب الشرعية، الامر الذي يفسر تحرك الخصوم باتجاه اسقاط ورقة الشرعية، نظرا لما تمثله من قوة معنوية ومادية في الوقت نفسه، وبالتالي فان الصراع بمختلف اشكاله يدور حول نقطة الشرعية بالدرجة الاولى، فتطور الخلافات مرتبط بمدى قدرة مقاومة الخصوم على الامساك بورقة الشرعية.

امتلاك الشرعية يختلف باختلاف الطرق المتبعة في البيئات الاجتماعية، فهناك وسيلة تعتمد على الإجماع الشعبي لدى بعض الشخصيات، نتيجة امتلاكها مواصفات قيادية يصعب توافرها في اخرين، مما يجبر الجميع على التسليم بقيادة تلك الشخصيات، حيث يشكل ذلك منحا للشرعية اللازمة للتحرك بحرية تامة، دون بروز أصوات معارضة، وبالتالي فان المواصفات الشخصية تشكل احد العناصر الاساسية، لانتزاع الشرعية من البيئة الاجتماعية، مما يجبر الاخرين على الانصياع لقراراته على اختلافها.

بينما تمثل الوراثة ورقة قوية للحصول على الشرعية، لممارسة الدور القيادي، فالبيئة الاجتماعية تسلم زمام القيادة لاحد الابناء بعد وفاة الوالد، باعتباره من الاعراف الاجتماعية المألوفة، حيث تتجلى هذه النوعية الممارسات في القبائل، وبالتالي فان الشرعية تكون مقرونة بالعامل الوراثي بالدرجة الاولى، مما يعني محاولة سلب الشرعية من الابناء تكون جريمة كبرى، في العرف القلبي لدى بعض القبائل، باعتباره من الاعمال المفروضة وغير المقبولة على الاطلاق، حيث تواجه محاولات العصيان على شيخ القبيلة بعد استلام زمام القيادة بمعارضة قوية، نظرا لكونه من الامور المستهجنة، واحيانا تكون سببا في الدخول في صراعات دموية.

الحصول على الشرعية تكون احيانا باستخدام العنف والبطش، بهدف بسط النفوذ واسكات المشككة في الشرعية، الامر الذي يدخل المجتمع في دوامة طويلة من العنف، واراقة الدماء، لا سيما وان بقاء التشكيك يجلب المتاعب، مما يستوجب قطع الطريق امام تنامي هذه الظاهرة السلبية، نظرا للتداعيات المستقبلية على الشرعية المكتسبة، خصوصا وان الشرعية تمثل عقدا اجتماعيا يفرض الانصياع التام، وبالتالي فان فقدان الشرعية يعني العصيان التام، وذهاب المكانة الاجتماعية السابقة.

الاطماع الشخصية تحرك البعض باتجاه تأليب الرأي العام، للانقلاب على شرعية بعض القيادات الاجتماعية، من خلال رصد العديد من الممارسات، والعمل على تضخيمها، ونشرها بخلاف الاهداف الحقيقية، وبالتالي العمل على اثارة البيئة الاجتماعية بمختلف الأساليب، عبر استخدام شعارات زائفة لدغدغة المشاعر، واستمالة العديد من الشرائح الاجتماعية، وسحب بساط الشرعية من المتافس، بغرض الحصول التأييد الشعبي وامتلاك الشرعية، مما يسهم في تحقيق الرغبات الشخصية، بمعنى اخر، فان الطموح الشخصي يعتبر محركا رئيسيا، في نشوب العديد من الخلافات الهادفة لسلب الشخصية، فهي لا تنطلق من المصلحة العامة، ولا تستهدف القضاء على الإخفاقات في المسيرة الاجتماعية، بقدر ما تسعى لتوظيف بعض الممارسات للمصالح الشخصية.

كاتب صحفي