آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:44 م

القلق.. الاستقرار

محمد أحمد التاروتي *

شبكة العلاقات الاجتماعية معرضة للاضطرابات، جراء الاختلافات الكبيرة في المصالح، مما يوسع هوة الصراعات الداخلية سواء الصعيد الفردي او الجماعي، نظرا لتمسك كل طرف بوجهة نظره، واستخدام المكابرة كوسيلة لمواصلة مشوار الخلاف، الامر الذي يترجم على شكل قلق دائم، وغياب الاستقرار النفسي، واحيانا الاستقرار المادي، مما يجعل عملية التلاقي صعبة، وطورا مستحيلة.

توفير مناخات القلق مرتبطة بالممارسات على الارض، فالعملية مرهونة بسلسلة المواقف ردود الافعال المختلفة، ”ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ“، وبالتالي فان تشابك المصالح تدفع باتجاه تضخيم الاضطرابات، وتغليب عدم الاستقرار على الوئام، والسلم الاجتماعي، حيث يتحرك البعض باتجاه نسف المصالح المشتركة، ومحاولة ركوب الموجة عبر تلغيم شبكة العلاقات الاجتماعية، بواسطة مواقف صادمة، او غير منسجمة مع التفكير العام، مما يجعل الامور اكثر صعوبة، باتجاه توطيد العلاقات الاجتماعية.

التحرك باتجاه تأزيم العلاقات الاجتماعية، يكشف جانبا من الأمراض الشخصية، لدى حملة الفكر المصلحي، لاسيما وان عملية الاستيلاء على جهود الاخرين، تكون بواسطة تشتيت العمل الجماعي، وتكريس الحالة الفردية، بحيث يسهل الاختراق والحصول على المكاسب الذاتية، وبالتالي فان شق الصف الجماعي لا يخدم سوى فئة قليلة، بينما إبراز الجهد الجمعي ينعكس على المجتمع، الامر الذي يفوت الفرصة على الفريق الانتهازي، بمعنى اخر، فان العمل الجمعي يقف سندا منيعا، امام محاولات تكريس الخلاف، ويقطع الطريق امام تحقيق المصالح الذاتية.

التغلب على القلق الاجتماعي يعتمد على طريقة التعاطي، مع محاولات شق الصف الداخلي، فالمجتمع الذي يمتلك قدرا كبيرا من الوعي، باستطاعته توظيف الكثير من الجهود، في عملية البناء الذاتي، مما يترجم على شكل تماسك داخلي، وبالتالي تدعيم الجبهة الداخلية لمواجهة مختلف الممارسات الهادفة، لاحداث شق كبير وتوسيع نطاق الخلافات، لتكون ظاهرة اجتماعية، الامر الذي ينعكس على المسيرة الطبيعية للبيئة الاجتماعية، مما يستوجب اعادة ترتيب الاوراق، وفقا للمعطيات على الارض.

الاستقرار الاجتماعي، مرتبط بالقدرة على تغليب العمل الجمعي، على النوازع الذاتية، من خلال صهر مختلف الاعمال ضمن بوتقة واحدة، عبر بث ثقافة العمل الجماعي، ورفض الدعوات النشاز، باعتبارها خطر كبير على التماسك الداخلي، والقضاء على الاستقرار، بحيث تظهر على شكل مصالح متضاربة، وغير منسجمة بين الفئات الاجتماعية، وبالتالي فان ايجاد الثقافة الاستيعابية امر بالغ الأهمية، في تكريس السلم الاجتماعي، وامتصاص التحركات الهادفة لابراز القلق، وانعدام الوئام بالبيئة الاجتماعية، مما يقضي على المساعي غير الصادقة، بشأن تدمير الثقافة الجمعية، واخراجها من الوعي الاجتماعي.

الدعوة للقضاء على مصادر القلق الاجتماعي، مرتبطة بالمصلحة المشتركة، خصوصا وان تخريب الساحة الاجتماعية، لا يقتصر ضرره على فئة دون اخرى، فالجميع معرض للاكتواء بشرر تلك النيران، مما يستدعي العمل على اخماد النار، في مهدها قبل استفحالها، وخروجها عن السيطرة، من خلال التركيز على الثقافة الجامعة، ونبذ الثقافة الفردية، باعتبارها سرطان يدمر الجسم الاجتماعي، ويقضي على جميع المنجزات، وبالتالي فان الجميع خاسر، ولا يوجد رابح على الاطلاق.

كاتب صحفي