آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

السترات الصفراء

محمد أحمد التاروتي *

استمرار مظاهرات السترات الصفراء في العاصمة الفرنسية، للاسبوع الثاني عشر على التوالي، يعطي دلالة على وجود مطالب حقيقية، لدى شرائح مختلفة من الشعب الفرنسي، خصوصا وان دعوات الحوار التي اطلقها الرئيس ماكرون جوبهت بالرفض، وعدم الاستجابة، مما يعمق الخلاف بين اصحاب السترات الصفراء والحكومة، بشأن معالجة الازمة الاقتصادية الخانقة، التي طالت الشرائح الفقيرة والمتوسطة بالدرجة الاولى، نتيجة قرار الحكومة الفرنسية زيادة الضرائب على المواطنين.

حركة السترات الصفراء السلمية سرعان ما تحولت الى تيار جارف في مختلف المدن الفرنسية، نظرا لملامستها معاناة الكثير من الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يعطي المزيد من الزخم للدعوات الاسبوعية، للعودة للتواجد في الساحات العامة، وبالتحديد في العاصمة باريس، وبالتالي فان المراهنة على تراجع الزخم، وانحسار التأييد اصبح رهانا خاسرا، خصوصا في ظل الاستجابة المتواصلة للمظاهرات بشكل اسبوعي، لاسيما وان السترات الصفرات تنطلق من شعارات تلامس المواطن العادي، وعدم الانطلاق من شعارات شخصية او مصلحة، فالعملية مرتبطة بمبادئ تحقيق العدالة الاجتماعية، وتكريس المساواة ومحاصرة الانظمة، غير العادلة في المجتمع الفرنسي.

محاولات الحكومة الفرنسية لامتصاص حركة السترات الصفراء، لم تجد نفعا طيلة الاسابيع الماضية، فاللغة الدبلوماسية والخطابات العاطفية، التي اطلقها المسؤولون لم تجد استجابة لدى حركة السترات الصفراء، الامر الذي دفع الرئيس ماكرون للتنازل ومحاولة التعاطي مع الواقع برؤية مختلفة تماما، بيد ان تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع، نظرا لتباعد وجهات النظر بين الطرفين، فكل طرف ينظر للملف الاقتصادي بمنظار مختلف تماما عن الطرف المقابل، مما يوسع هوة الخلافات ويزيد من عملية استفحال الازمة خلال الفترة القادمة.

التنازلات التي حصلت عليها السترات الصفراء خلال الاسابيع الماضية، شكلت عاملا اساسيا في مواصلة المظاهرات، وعدم ترك الشارع واضاعة المكاسب المحققة، خصوصا في ظل المخاوف من التفاف الحكومة الفرنسية على قراراتها، بمجرد الشعور بتلاشي ”السترات الصفراء“ من الشارع، وبالتالي فان الاصرار ينطلق من الامساك بورقة الشارع، في تحقيق الكثير من المطالب، وعدم اتاحة الفرصة للحكومة الفرنسية لالتقاط الانفاس، ومحاولة اللعب على عامل الوقت، مما اضطرها للتنازل عن بعض القرارات التي اشعلت شرارة المظاهرات قبل 3 اشهر تقريبا.

المراهنة على المظاهرات في ايصال الصوت للجهات الحكومية، باتت احد الوسائل الضاغطة، فالسترات الصفراء استطاعت اكتساب ثقة المواطن الفرنسي، مما يشكل حافزا كبيرا في لعب دور كبير في المرحلة القادمة، وبالتالي فان العملية مرهونة بالقدرة على توظيف المكاسب بالشكل السليم، بمعنى اخر، فان الحكومة الفرنسية تحاول تهميش سترات الصفراء، تفاديا لتكريس دورها خلال الفترة القادمة، بيد ان صراع الارادات سيكون اللاعب الاساس في انتزاع المكاسب على الارض، خصوصا وان الانحسار في اعداد المتظاهرين في الاسابيع الماضية، لا يعني انتهاء الحركة الاحتجاجية على الاطلاق، الامر الذي يدلل على قدرة السترات الصفراء في مواصلة مشوار النضال حتى النفس الاخير.

النفس الطويل الذي تعتمد السترات الصفراء في المواجهة المفتوحة مع الحكومة الفرنسية يمثل ورقة رابحة على المدى المتوسط والطويل، خصوصا وحكومة ماكرون لن تكون قادرة على تجاهل المطالَب حتى النهاية، مما يؤسس لمرحلة جديدة من المعركة المفتوحة منذ انطلاقتها قبل 12 اسبوعا.

كاتب صحفي