آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

آلامُ الأغنياء آمالُ الفقراء

دعاني أحدُ الأصدقاءِ ذاتَ ليلةٍ على مأدبةٍ وكانت مأدبةً خاصةً تحررتُ فيها من كل القيودِ الرسمية. أكلتُ فيها حتى انتفخَ بطني وكلما أكلتُ حثني صديقي على الاستزادة! نمتُ في ليلِ الشتاءِ الطويل وأنا شديد الرضا في الاستجابةِ لصراخِ بطني وزارتني في النومِ أسرابٌ من أحلامٍ مختلفة من هذا العالم لا يَصْعُبُ تأويلها أو تَفْسيرُها!

رأيتُ في النومِ شخصاً لا أعرفه وكان كبيرَ البطنِ كأنه دسَّ في بطنهِ وسادة. ولأنَّ في بعضِ النومِ مرايا تعكس واقعَ اليقظةِ وحقيقتها أخذتُ أعظه في فوائدِ الخفةِ والرشاقة وكيف عليه أن يتخففَ من أوزارِ وزنهِ الزائد، وأخبرته عن أنواعِ الأكلاتِ التي عليه أن يتجنبها والتي عليه أن يأخذَ الكثيرَ منها. قصصتُ عليه تجاربي في اختيارِ أنواعِ الأطعمةِ والأشربةِ المفيدة والرياضة التي تجعل الإنسانَ ينط في رشاقةِ الغزالِ وتضمن له البقاءَ حتى يموت.

وأخيراً قلت له: إن لم تنفع كل هذه الأطعمة فمقصُ الجراحِ ومباضعهُ مفاعيلها تأتي سريعة، أيام قليلة وبعدها تهدم كل ما بنيتَ في عشراتِ السنين. وفي غمرةِ الحديثِ والاسترسالِ في النصحِ بادرني الرجلُ بسؤال: هل تعرف ما هو سبب انتفاخ بطني؟ قلتُ له: ومن أينَ لي أن أعرفَ السبب ولم ألتقِ بك من قبل؟ قال: اسمع أيها المتعالي الأخرق، إنه خليطٌ من الجوعِ والخبز والهواء الحار، ثم لا تظن أنني زرتكَ في منامك، بل أنت الذي افتَرَعت راحتي وسكوني، ونحن المعدمونَ لا نزور أحداً، كما قال الشافعي:

أمطري لؤلؤاًجبالَ سرنديبَ

وَفِيضي آبارَ تكرورَ تِبْرَا

أَنَا إنْ عِشْتُ لَسْتُ أعْدَمُ قُوتاً

وَإذا متّ لَسْتُ أعْدَمُ قَبْرَا

همتي همَّة ُ الملوكِ ونفسي

نَفْسُ حُرٍّ تَرَى الْمَذَلَّة َ كُفْرَا

وإذا ما قنعتُ بالقوتِ عمري

فَلِمَاذَا أزورُ زَيْداً وَعَمْرَا

أما الجوع فيأتي دونَ أن نستدعيه نحن الفقراء بل تستدعونه أنتم، وأما الخبز فهو كل ما نستطيع أن نشتري بكل ما نملك من مالنا الذي سرقتموه، وأما الهواء الحار فهو ما يخرج من أفواهكم أيها الأغنياء من كلماتِ النصحِ والنقدِ والتجريحِ دون أن تطعمونَا شيئاً مما تأكلون! استيقظ أيها الشبعان فقد طلع الصباح. جاءت كلماته مثل أصواتِ القذائفِ في أذني، استيقظتُ ومسحتُ على بطني وقلت: الحمدُ لله أنا بخير.

في جد الحياةِ كم في العالمِ من أرواحٍ استسلمت للجوعِ والفقر وكم من أرواحٍ استراحت للغنى والثروة، والبشريةُ ليست قادرةً أن تدركَ أن الفقرَ عاهةٌ تشوهُ الإنسانيةَ ويمكن القضاء عليها، ومتى ما تخففت البشريةُ من أوزارها حينئذٍ تكون تخففت من أعباءِ الحروبِ والجهلِ وكل الخطايا!

شكراً لك أيها الضيف في النوم، سوف أتذكر عندما أُدعى مرةً أخرى ألا آكلَ من كُلِّ شيءٍ بل أختار أجودَ الطعامِ الذي لا يتخم بطني، وسوف أتخفف منه قبلَ النوم.

مستشار أعلى هندسة بترول