آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الانسانية.. التوحش

محمد أحمد التاروتي *

الشعور الانساني والسلوك الشيطاني، يقفان على طرفي نقيض، فالاول يحمل رسالة الحب والحياة، وإشاعة الوئام، والحرص على اظهار الجانب الملائكي، لدى البشر بغض النظر عن اللون او الدين، بينما الثاني يكشف الوجه المظلم لدى بعض البشر، من خلال الممارسات الشيطانية على اختلافها، خصوصا وان تلك الممارسات لا تقتصر على عمليات القتل، واستباحة الدماء وما اشبه، وإنما تشمل مختلف الممارسات الهادفة، لسلب البسمة والامان من المجتمع.

إشاعة الانسانية في السلوك العام، يحدث فرقا كبيرا في مستوى العلاقات الاجتماعية، من خلال تقوية الأواصر بين المجتمع، مما يسهم في تقليل حجم المشاكل، عبر تغليب الجانب الايجابي على السلوك الشيطاني، لاسيما وان سيطرة المصالح الشخصية تولد التباغض، والشحناء في النفوس، فيما القلوب الطاهرة تحاول التقريب، والابتعاد عن نقاط الخلاف، والتركيز على الجوانب الجامعة، نظرا للاثار الايجابية الناجمة عن التعامل الانساني على الاطراف الاخرى، ”جبلت القلوب على من احسن اليها“، وبالتالي فان الثقافة الانسانية قادرة على احداث تحولات كبرى، في التفكير الفردي وكذلك الجمعي، جراء إشاعة المحبة والسلام على أسباب الفرقة والصراع.

السلوك الانساني يتمثل في الكثير من الممارسات على ارض الواقع، فالمبادرات التطوعية على اختلافها، تشكل احد ملامح السلوك الانساني الراقي، فهذه المبادرات على اختلافها تكشف الوجه المشرق، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، باعتبارها وسيلة لتضميد جراح بعض الشرائح عبر تقديم خدمات مختلفة، الامر الذي يساعد على انتشال بعض الافراد من حالة صعبة الى اوضاع افضل، وبالتالي فان التركيز على هذه الجوانب الانسانية، يساعد على نشر هذه النوعية من الثقافة الانسانية، فالشعور الانساني يصعب اختزاله في مجموعة ممارسات، او سلوكيات محددة، فهو بحر واسع وكبير، بالإمكان الابحار فيه بشكل متواصل بشرط وجود المركب الصالح، لتفادي الغرق في مستنقع الغرور والتباهي.

التوحش يمثل النقيض تماما للممارسات الانسانية، حيث يتجلى في اظهار الجانب الشيطاني في التعامل مع الاخر، مما ينعكس على شبكة العلاقات الاجتماعية، اذ يحاول البعض استغلال السلطة او النص الديني في الممارسات المتوحشة، الامر الذي يبعث برسائل سلبية في مختلف الاتجاهات، جراء بروز الوجه المظلم على حساب الوجه المشرق في العلاقات الانسانية، وبالتالي فان ارساء السلوكيات المتوحشة تجلب الكثير من الويلات، ويساعد على انتشار الفوضى، ويؤسس لمرحلة شعارها الانتقام، والانتقام المضاد.

السلوكيات الشيطانية تترك جروحا عميقة في جسد المجتمع، جراء انتشار النزعات الذاتية والغرائزية على حساب الانسجام والتماسك الداخلي، مما يحدث حالة من الصراعات الداخلية، بحيث تتحول الى حالة عامة وسلوك خارجي، نظرا لسيطرة السلوك الشيطاني في جميع مفاصل الحياة الاجتماعية، وبالتالي فان الثقافة المتوحشة تدمر النفوس وتقضي على الجانب الانساني، بحيث ينعكس على شكل مواقف وممارسات اكثر عنفا، باعتبارها جزء من السلوك اليومي في التعاطي مع الاخر.

بكلمة، فان تغليب التوحش على السلوك الانساني، ينم عن وجود نوازع ومرتكزات فكرية غير سليمة، فهذه النوعية من الممارسات ليست قادرة على احياء النفوس، بقدر ما تتحرك باتجاه تكريس قانون الغاب، وطمس الجانب الانساني، الذي يتحرك باتجاه احياء النفوس، ومقاومة السلوكيات غير السليمة في العلاقات الاجتماعية.

كاتب صحفي