آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

البناء.. الهدم

محمد أحمد التاروتي *

سلوك البناء يدفع باتجاه مقاومة مختلف انواع التخريب، نظرا لما تمثله عملية البناء من مواصلة لمسيرة التطور، على الصعيد الشخصي والاجتماعي، مما ينعكس بصورة مباشرة على الحركة الدينامكية للمجتمع، فالنظرة المتفائلة لا تلتفت للدعوات التخريبية على اختلافها، لإدراكها بالمخاطرة الناجمة عن السير وراء تحركات التدمير، على المدى القصير والمتوسط والبعيد، الامر الذي يعرقل حركة البناء الساعية لإزالة جميع الشوائب من الطريق، من خلال وضع الاليات المناسبة للانطلاق، باتجاه خلق الظروف المساعدة لتكريس ثقافة البناء، على تحركات الهدم والتخريب، في البيئة الاجتماعية.

عملية تكريس ثقافة البناء في الوعي الاجتماعي، بحاجة الى جهود كبيرة، وليست برامج مؤقتة او سطحية، لاسيما وان البرامج المؤقتة لا تخدم في زرع ثقافة البناء، فالعملية تتطلب فترة زمنية، ولا تتم بشكل سريع، بمعنى اخر، فان التراكمية في تبني بعض المبادئ الثقافية عملية طبيعية، واحيانا ضرورية للحصول على النتائج المطلوبة، بينما محاولة بث هذه الثقافة ضمن قوالب جاهزة، او بدون توفير الارضيّة، لاستقبال هذه النوعية من الثقافية، تكون نتائجها متواضعة، واحيانا معدومة، نظرا لافتقار البيئة الاجتماعية للعوامل الرئيسيّة، للتحرك الجاد باتجاه البناء، والوقوف بقوة امام محاولات التخريب، والتدمير في مختلف المجالات.

البناء يترك اثارا عميقة في وجدان التفكير الاجتماعي، لاسيما وان المجتمع الذي يسير بخطى ثابتة في مضمار البناء، يفرض احترامه على الجميع، مما يؤدي لحالة من الانسياق، ومحاولة استنساخ هذه المبادئ الايجابية، وبالتالي فان النجاح في العديد من المجالات يشكل ابرز ملامح ثقافة البناء، الامر الذي ينعكس اختراق اللا وعي الاجتماعي، بشكل مباشر او غير مباشر، نظرا للقدرة الفائقة لهذه النوعية من الثقافة، على تحريك الجانب المضيء في حياة البشر، جراء الاعتماد على مبدأ التغاضي عن الدعوات المدمرة، وايجاد الارضيّة المناسبة لنشر الحلول البديلة، القادرة على امتصاص الجوانب السلبية، والضارة للحركة الانمائية للمجتمع، لاسيما وان البناء يرسم لوحة فنية وجمالية، عبر ترجمة العديد من المبادئ، على شكل مبادرات او اعمال، ذات اثر بالغ في مسيرة المجتمع.

ان الوقوف امام ثقافة الهدم يتطلب امتلاك البديل المناسب، والعناصر القادرة على احداث الفرق على ارض الواقع، فالموقف الرافض ليس كافيا لايقاف زحف الدعوات التدميرية، وبالتالي فان الخطوات الاولى للدخول في صراع حقيقي، مع فريق الهدم تتمثل في وضع المبادئ البديلة، والمناسبة لاستقطاب العديد من الشرائح الاجتماعية، عوضا من ترك الساحة للطرف المقابل، فالصراع يتطلب استخدام الأدوات اللازمة، للتعاطي بواقعية مع السلوك التدميري، مما يسهم في حصد النتائج المرجوة في جميع فترات الصراع الطويل، ففريق الهدم يتحرك وفق قراءة دقيقة للساحة، من اجل تسجيل النقاط على حساب ثقافة البناء، مما يتطلب التحرك بشكل دقيق، وعدم اتاحة الفرصة للمنافس، لاختراق البيئة الاجتماعية، نظرا للتداعيات الكارثية المترتبة على انتشار ثقافة الهدم، على مسيرة التطور الاجتماعي.

ثقافة البناء قادرة على انتشال البيئة الاجتماعية، من وحل التخبط والضياع، وبالتالي فتح الطريق واسعا امام المسيرة التنويرية الشاملة، لاسيما وان ثقافة الهدم بمثابة خنجرة في خاصرة المجتمع، الامر الذي يستدعي تغليب البناء على الهدم في احلك الظروف، وعدم التحرك باتجاه تدمير الذات، جراء الانسياق وراء دعوات غير نافعة على الاطلاق.

كاتب صحفي