آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الاّراء.. التسخيف

محمد أحمد التاروتي *

احترام الرأي الاخر ينم عن اخلاق سامية، وقدرة على الاستيعاب وتجنب التصادم، فالاختلاف في وجهات النظر ليس مدعاة للخصام، او اطلاق الحروب الكلامية، لاسيما وان الاّراء تبقى ضمن دائرة الاجتهادات البشرية، مما يضعها في إطار الاحتمالية وعدم القطع في الغالب، وبالتالي فان تجنب التباعد يساعد على تنقيح الاّراء، والتحرك بالمشترك لإيجاد قواعد مشتركة، لسد الثغرات واكتشاف العيوب، الامر الذي يسهم في توجيه وجهات النظر بالاتجاه السليم، بعيدا عن التجريح او التسقيط، خصوصا وان الاّراء قابلة للمراجعة على الدوام انسجاما مع التطور الفكري البشري، ومواكبة المستجدات على ارض الواقع، مما يستدعي ايجاد قنوات قادرة على استيعاب المستجدات، عبر قوالب مرونة بعيدا عن الجمود والتعصب الاعمى.

محاولة نسف الاّراء الاخرى دون امتلاك الدراية الكاملة، بالآليات المناسبة لمقارعة الحجة بالحجة، تكشف ضحالة وجهل الطرف الاخر، الامر الذي يكشفه امام الرأي العام، بحيث يقود الى السقوط، وعدم القدرة على الوقوف، او استعادة المكانة السابقة، فعملية الوقوف امام الاّراء الاخرى تتطلب أدوات اساسية، تسهم في مناقشة بأسلوب منهجي بعيدا عن التهريج، واستخدام المفردات السوقية، وبالتالي فان القدرة على الحوار والمناقشة تفرض الاحترام، وتسهم في زيادة الرصيد الشعبي في البيئة الاجتماعية، بخلاف الطريقة العشوائية وغير المنضبطة في تناول الاّراء، لاسيما وردود الفعل السريعة تكون نتائجها سلبية احيانا، نظرا لغياب الرؤية الواضحة لمعالجة الاّراء بأسلوب علمي.

التعاطي بسلبية غير مبررة مع الاّراء الاخرى، يضع البعض في دائرة الضياع، وانعدام القدرة على الرؤية، من مختلف الجوانب، نظرا لاتخاذ مواقف مسبقة، بحيث تقود الى انتهاج اليات غير مستقيمة في الغالب، فيما الاّراء المتوازنة البعيدة عن التشنج، والتعصب تفتح الآفاق، لمشاهدة الامور بشكل مختلف تماما، بحيث تقود الى القراءة الكاملة، والوقوف على المزايا الايجابية، والتحرك للاستفادة منها، لتعظيم الفائدة على الصعيد الانساني، ”الحكمة ضالة المؤمن اخذها أنى وجدها“، فيما تتم معالجة الجوانب السلبية بأسلوب مناسب، والتحريك الواعي، لتقليل من الاثار المترتبة على التعاطي مع تلك الاّراء، خصوصا وان التجربة تشكل ميدانا حقيقيا في كشف العيوب، وبالتالي فان الكثير من الاّراء وجدت طريقها، للتلاشي بمجرد نزولها للشارع، نظرا لصعوبة تطبيقها وعدم وجود القنوات اللازمة لاستيعابها.

التسخيف يشكل معضلة كبرى في شبكة العلاقات البشرية، فالمرء يرفض إهانته او التقليل من شأنه مهما كانت الاسباب، ”الدين النصيحة“، بمعنى اخر، فان اكتشاف بعض العيوب في الاّراء، لا يعني نسفها جملة وتفصيلا، فالعملية مرتبطة بجهود مضنية بذلها الآخرون للوصول الى تلك القناعات، مما يستدعي احترام تلك الجهود، ومحاولة تفهم مستوى القدرات، واليات التفكير البشري، خصوصا وان التفاوت الثقافي يشكل منطلقا للاختلاف الكبير في الاّراء، كما ان الاختلافات تسهم في اثراء المشهد الثقافي على الصعيد الانساني، فالمجتمعات البشرية لا تستقيم على نسق واحد، نتيجة التفاوت الكبير في المستويات الثقافية، وكذلك الاختلاف في العادات والتقاليد الاجتماعية، مما ينعكس على شكل قناعات وآراء متضادة في احيان، ومتوافقة في احيان اخرى.

تبقى عملية الاختلافات في وجهات النظر قائمة، وظاهرة مستمرة، باعتبارها جزء من التركيبة البشرية، وانعكاس للتطور الفكري للانسانية، فالتوقف عن توليد الاّراء يبقي المجتمعات البشرية في جمود، ويجمد حركة التطور الشاملة، وبالتالي فان ايجاد الاليات المناسبة لاحترام الاّراء، يساعد على خلق الظروف المناسبة، لتوطيد العلاقات الانسانية، فيما التسخيف يخلق حالة من العداء والتشاحن، مما يقود الى نشوب الحروب على اختلافها، كما ان التسخيف يكشف حالة التضخم الذاتي، الذي يظهره البعض انطلاقا من شعور بالعظمة، واحيانا كنوع لتغطية بعض النواقص الذاتية.

كاتب صحفي