آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

الإرهاب ونتائج أزمة الحضارة الغربية

محمد الحرز * صحيفة اليوم

حادثة الاعتداء الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا يوم الجمعة الماضي لا يمكن قراءتها ضمن سياق الحرب على الإرهاب والتطرف فقط، بل لا بد من وضع مثل هكذا حوادث ضمن سياق أزمة الحضارة الغربية العالمية. وهي أزمة متعددة الجوانب، فالسياسي منها لا يقل عن الثقافي والعكس بالعكس. فمنذ أن ترسخت فكرة التقدم في الخطاب الفكري الفلسفي الغربي، في أوائل القرن الثامن عشر، وأصبح بفضلها الإيمان بتطور الإنسان الغربي وتحضره راسخا في العلوم الاجتماعية والسياسية والفكرية وما عداه بربريا. كان على هذا الأخير التخلص من بربريته والدخول إلى الحضارة. من هنا جاء الاستعمار بفكرة النهوض بهذه المهمة وتوظيف كل الإمكانيات والطاقات المعرفية والحربية من أجل إدخال تلك الشعوب في فلك الحضارة الجديدة. ولم يكن نهب ثروات تلك الشعوب وإخضاعها واستعبادها كما هو معلوم سوى تبرير لتلك المهمة.

لاحقا الغرب السياسي لم يتخلص من عقدة الاستعمار رغم المراجعات النقدية التي طالت تلك الحقبة والمكاشفات التي أدانت الكثير من تصرفاتها وسلوكها العدواني. ناهيك عن الدروس التي خرجوا بها من تجربة الحروب التي خاضوها مع بعضهم البعض والتي لم تحسن نظرتهم في علاقاتهم مع الشعوب المستعمرة سابقا، بل ظلت المراجعات محصورة في الفكر السياسي والاجتماعي والفلسفي البعيد كل البعد عن التوظيف السياسي، والتي لا تملك الأداة المؤثرة على المجال السياسي.

وعليه فقد ظل الخيط رفيعا ومشدودا إلى فكرة الهيمنة رغم شيوع حقوق الإنسان والحريات الفردية والتعايش في العلاقات الدولية والرسمية وبين الجماعات المختلفة.

هذه المفارقة لم تسقط السياسات الغربية في فخ ازدواجية المعايير وامتثال قيم الحرية والديمقراطية التي يؤمنون بها واقتصارها عليهم فقط، بل بدا الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، فقد أخذت سياسات الهوية تطفو على سطح المجتمعات الغربية، وتقديس الحرية انقلب إلى عزلة تتوسل الهويات التاريخية وتستحضر أسوأ ما فيها من عدائية وتطرف، وليس أدل على ذلك من انتشار الأفكار اليمينية في الأحزاب السياسية الأوروبية.

والسؤال هنا: كيف انقلب الوضع بهذه الطريقة الدراماتيكية؟! أليس من المفترض أن تكون النزعة الإنسانية في الحريات وحقوق الإنسان تؤدي إلى شيوع السلام في العالم بدل استشراء الإرهاب والتطرف؟

يجمع أغلب الباحثين والمفكرين أن النموذج الغربي للحضارة قد استنفد طاقته أو تجديده بنموذج آخر ضرورة لحل مشكلات العالم. وعلى الرغم من الإرث النقدي الكبير الذي تشكل في مطالع القرن العشرين وما تلاه من عقود ضد موروث التنوير العقلاني الأوروبي حتى تمايز في الكثير من توجهاته تحت مسمى «ما بعد الحداثة» بيد أن اللحظة الراهنة لم تعد مع دخول الإنسان الألفية الثالثة قادرة على إيجاد الحلول الناجعة للأزمات التي يعانيها إنسان اليوم، والسبب لا يكمن فقط في قصور إدراك العقلانية الغربية للأبعاد الروحية الشرقية. ولكن ثمة أسبابا خلقتها الحضارة الغربية نفسها، أبرزها توحيد مشاكل العالم بفضل تشابك المصالح الاقتصادية والثقافية والإنسانية تحت تأثير عولمة العلاقات ووسائلها المتطورة على نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى بني جنسه وإلى الكائنات التي تشاركه هذا الكوكب وإلى مصير هذا الكوكب الذي نتشارك في العيش فيه.

في هذا السياق فقط يمكن تأويل ردود الأفعال المتعاطفة عند أغلب الناس في العالم مع كل حدث إرهابي يجري في العالم. ناهيك عن التظاهرات الكبرى التي يقوم بها شباب صغار يرفعون شعارات مناصرة لمستقبل الأرض ضد كل تلوث تنتجه هذه الحضارة.