آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

البرامج الرمضانية وتحديد مفهوم التدين

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

خلال شهر رمضان، تكثر البرامج الدينية، سواء تلك التي تهتم بالإفتاء، والجواب على أسئلة المتصلين، أو الأخرى التي تتضمن شيئا من الدعوة والإرشاد والسيرة النبوية وقصص الخلفاء.

هذه البرامج التي تزدحم بها العديد من القنوات الفضائية العربية، تعمل على توجيه الرأي العام، ورسم صورة عن معنى رمضان، وكيفية التدين خلاله، وملامح الفرد المؤمن، والمجتمع المحافظ. وهي صورة رغم كثافة حضورها الرمزي والمادي خلال شهر واحد في العام، إلا أن تأثيرها لا يقتصر على الثلاثين يوما التي تشحذ فيها الهمم. بل، تتعداها في وجدان المستمعين والمؤمنين، وتؤثر فيهم بدرجات متفاوتة، طوال العام، كونها تؤسس في لا وعي المتلقي، صورة عما يجب أي يكون عليه المسلم الصالح!.

تجد مسلمين غير ملتزمين بالمعنى السلوكي الشكلاني، إلا أنهم في دواخلهم، يحضر ما استمعوا له من فتاوى وأفكار وآراء، هي في أذهانهم تمثل صورة الإسلام النقي التي يجب أن يكونوا عليها يوما ما، قد يأتي عاجلا أم آجلا!.

خطورة هذه الصورة المرسومة ل» التدين الأمثل»، أنها تصنع عبر وعاظ ومقدمي برامج وعلماء دين، في غالبيتهم يفتقدون للأهلية العلمية، والفهم العميق للنصوص الشرعية. يضاف لذلك، أنهم يتبنون تصورا محافظا، سلبيا، تجاه الحياة في جزء واسع منهم. بمعنى، أن العلاقة بينهم وبين علوم الحياة الحديثة، ومعارفها المستجدة، وأثر الحياة في حياة الفرد المؤمن، هذه العلاقة لا يمتلكون مؤهلات فهمها وبنائها وربطها بالمعنى الكلي للدين.

لا ننسى أيضا، أن هذه البرامج تكرس الفهم البشري للدين، وكأنه «الدين» الصرف. وهنا يحدث خلل منهجي، تتحول فيه الخطابات الدينية، إلى خطابات عالية، عالمة، لا تدانى.

الاستجابة لمنطق الجمهور، ولمتطلبات السوق الإعلامي والإعلاني، كلها أيضا عوامل مهمة تؤثر في صناعة هذه البرامج الدينية. وتحدد توجهها الفكري والفقهي، تبعا للخط الذي تسير فيه القناة المستضيفة. هنا يتحول البرنامج إلى مجرد «سلعة»، شأنها شأن أي منتج رمضاني آخر. وإنما، خطورتها تكمن في ارتباطها ب «الدين»!.

السؤال الذي يبقى ملحا: كيف يمكن إذن التخفف من عبء هذا النوع من البرامج، التي تفتقد الاشتراطات العلمية والمنهجية؟.

نظريا، قد يكون الجواب سهلا، عبر الاعتماد على علماء دين، متنورين، على صلة بعصرهم، يؤمنون بقيم التعددية والاجتهاد واحترام الذات الإنسانية.

إلا أن المشكلة الحقيقية أين يمكن أن نجد مثل هؤلاء العلماء، الذين هم قلة نادرة جدا. وأيضا، كيف يمكن أن تقنع القنوات الفضائية بالمساهمة في عملية التنوير والإصلاح الديني، عبر الاعتماد على علماء في اللآهوت والفلسفة وعلم الكلام وعلم اجتماع الدين.. أي الابتعاد عن النماذج الشعبية التي تمثل نجوما في مجال الدعوة والخطابة.

لن تكون عملية إحلال واستبدال يسيرة، لكنها ضرورية، للفصل بين البشري والمقدس، ونزع «الدين» من يد المتاجرين به، وما أكثرهم!.