آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

أزمة الحياد والازدواجية

سراج علي أبو السعود * صحيفة الشرق

قادتني الصدفة للالتقاء بأحد الأصدقاء العائدين من الدراسة في الخارج، حديثنا الطويل انتهى إلى صناعة الجيل في الغرب وكيف أنَّ الإنسان لديهم ومنذ نعومة أظفاره يتعلم الحياة من خلال تعلم الأسس المنطقية للتفكير، التي تجعله قادراً على أن يكون حراً ومحايداً ومنطقياً في آرائه بنسبة جيدة، هذا السبب برأيه هو التفسير المنطقي لحالة الرفض التي أبدته شريحة ليست صغيرة في المجتمع الأمريكي وفي الغرب عموماً ضد ما اعتبروه سياسات عنصرية ضد المسلمين وغيرهم من المهاجرين في أمريكا، الإنسان هناك لم يحاول أن يجتهد للبحث عن مسوغات لممارسة مستوى معين من الإقصاء والاستبداد ضد شريحة تسكن في أراضيه، بل وقف متضامناً معها على الرغم من وجود نماذج متطرفة أساءت لهم واستهدفتهم في فترات سابقة.

القدرة على الحياد وعدم التعميم هي خلق سامٍ تفتقده نسبة من الناس في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يبدو ذلك واضحاً في مشاهد كثيرة منها عدم القدرة على التفريق بين المتطرف كشخص وبين دائرته التي ينتمي إليها، وكذا التفريق بين حقوق الإنسان في مجتمعٍ ما وآخر، هناك إيمان شكلي بالمثل الأخلاقية العامة كالعدل والحرية والمساواة، ولكنها تمنح لأشخاص وتمنع عن آخرين بسبب الاختلاف. التضامن وردود الأفعال الغاضبة ضد ما اعتبرته شريحة كبيرة في المجتمع الأمريكي سياسات عنصرية ضد المسلمين تعبر في حقيقتها عن حالة من التفريق بين الإسلام كدين وبين إرهابيين ينتمون له. وجود حالة من العداء في المجتمعات الإسلامية ضد الآخرين بناءً على تصرفات فردية يعبر عن تلك الحالة المؤسفة من اللامنطقية في التقييم وعن التعميم في الاتهام. المحايد عادةً لا يعمم الأحكام كما لا تختلف لديه بناءً على هويات أصحابها، بل لا يكترث أساساً بموضوع الهوية والدين والعرق لتقييم فعل ما، ما ينظر إليه هو فقط جوهر الفعل واتفاقه مع المبادئ الإنسانية التي يحملها، بذلك يستطيع حينما يتحدث أن يمنحنا حكماً عادلاً ومنطقياً وبعيداً عن الازدواجية والتناقض، حكماً عادلاً ضد أفعال معينة وليست هويات وأديان.

في تصوري أنَّ التأكيد على مفهوم الحياد والتقييم العادل للآخرين ينبغي أن يسود في مجتمعاتنا من خلال ثقافة تسهم في نشرها وغرسها جميع الشرائح الواعية التي تملك منابر ما أو نوعاً من التواصل الاجتماعي مع الناس، البعض مع الأسف يبحث دائماً عن أسباب للكراهية، يبذل جهوداً كبيرة في البحث في بطون الكتب والتاريخ عن أسباب للفرقة بين البشر لتتحول الدائرة المحيطة به إلى شريحة ليس لها هم إلا إيجاد المبررات للكره والحقد وتفسير أي بادرة طيبة من الآخرين بأنَّ لها أهدافاً خبيثة تستهدفنا في ديننا وقيمنا، ولأن هذه الأصوات ليست قليلة مع الأسف فقد أسهمت في نشر ثقافة مغلوطة في مجتمعاتنا، في اعتقادي أنَّ صناعة جيل واعٍ أكثر قدرة على التفكير المنطقي والمحايد وتبني الأفكار الواعية والمسؤولة لن يتحقق ما لم تبذل منابر التعليم المختلفة جهوداً في نشر هذه الثقافة، وفيما عدا ذلك سنجد دائما بين الحين والآخر شرائح واسعة تظهر لتسيء إلى الآخرين وتنشر الكراهية ضدهم.