آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

ديمومة التقدم

سراج علي أبو السعود * صحيفة الشرق

الحديث عن التقدم في أي مضمار هو حديث عن جانبين مهمين، الأول حول الأدوات التي تكفل تطور الشيء والثاني حول ديمومة هذا التطور، عدا ذلك تعتبر الأعمال التي يقوم بها بعضهم بقصد التطوير هي أشبه بالاجتهادات التي تنتهي عادةً بانتهاء عمر أصحابها في هذه المنظمات، هذا الكلام يحيلنا إلى قاعدة إدارية منطقية حول تطوير أي منظمة وهي صناعة آليات العمل وفق المعايير والمقاييس العالية والعمل على تطبيقها ومنع تجاوزها، لحظة تأسيسها وفي المستقبل، هذا الحديث البديهي يعني أن الإنسان لا يمكن له أن يستمر عند النقطة التي وصل إليها من تقدم إلا إذا أصبح هذا التقدم مؤطرا بنظام يكفل استمراره وعدم الانحراف عنه.

في عهد سابق وتحديداً في القرن التاسع عشر كان هناك مفهوم «القيادي الفذ» الذي يقوم العمل بوجوده، فهو كل شيء والنجاح ينسب له، واستبدل هذا المفهوم في وقت لاحق إلى «المنشأة الرائدة» التي تعني أنَّ القائد استطاع بناء المنظمة وصناعة آليات استمرارها بذات الجودة، في هذا السياق يتحدث الناس أحياناً عما يسمونها إنجازات حقيقية لإداريين حفلت فترات إدارتهم بكثير من التقدم والنجاح النسبي، في تصوري أنَّ أهم عامل يستحق عليه الإداري الثناء واعتباره بالفعل إدارياً ناجحاً هو قدرته على تحقيق مفهوم «المنشأة الرائدة» من خلال وضع إستراتيجيات محكمة تكفل التقدم والاستمرار فيه، فالنجاح كواقع يعني صناعة الأسباب التي تكفل استمراره وليس فقط تحقيقه، قد يُشكل شخص على هذا المعنى بأن الإدارات الفاسدة قد تقوم بتغيير الإستراتيجيات الصحيحة التي وضعها الإداري السابق، وبالنتيجة فإن الإداري لا ينبغي له أن يتحمل ضعف المؤسسة في الفترة التالية لإدارته، وهذا الحديث صحيح في بعض جوانبه غير أن الإداري الجيد هو من يبذل من الوقت والجهد كثيرا لصناعة إستراتيجيات صعبة التغيير والتحريف بحيث يستطيع تخفيض نسبة انحراف المنظمة حتى بعد خروجه منها، ربما مع ذلك لا يستطيع أن يضمن المستقبل ولكن هذا هو ما ينبغي عليه فعله وعادة ما تنجح هذه الطريقة في صناعة أسباب منطقية لديمومة الجودة.

هناك نماذج رائدة في العمل المؤسسي الجيد الذي بقي إلى حد ما محافظا على مستوى مميز من الجودة حتى مع تعاقب الإدارات المختلفة، أرامكو وسابك قد تكونان مثالين جيدين، والحال كذلك في البنوك، بالرجوع إلى هذه الأمثلة يمكن جدا ملاحظة فروقات الجودة غير الكبيرة أثناء تعاقب الإدارات ما يؤكد على أن الجانب المؤسسي القائم على لوائح وأنظمة هو جانب استطاع الإبقاء على المنظمة بذات الجودة رغم تعاقب الإدارات، الفساد في حقيقته يتنامى دائماً في المنظمات التي لا يوجد فيها شيء من ذلك، محاولة الارتقاء بأي منظمة وصناعة الأسباب المنطقية لاستمرار التقدم لا يحتاج في أي من مراحله لأكثر من إدراك مسؤوليه لأهمية صناعة النظام المؤسسي المحكم واللوائح التي تكفل استمراره، فيما عدا ذلك لا أستطيع إلا أن أدعي أن من قدم كثيرا من النجاح في فترة إدارته فقط هو مجتهد ولكنه بالتأكيد بعيد عن مفهوم الإداري الجيد الذي يعمل على صناعة العمل بطريقة تضمن ديمومة النجاح في المستقبل لا لحظة إدارته فقط.