آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

طبيب برتبة مندوب مبيعات

سراج علي أبو السعود * صحيفة الشرق

جمعتني الصدفة بمدير أحد المستشفيات الخاصة الذي تركه متذمرا لوظيفة أخرى، الجزء الأكثر أهمية من حديثه كان حول بيئة العمل في ذلك المستشفى وما ذكره بأن الوصف الأنسب لنسبة من الأطباء فيه هو أنهم مندوبو مبيعات، يجتهدون جدا لتحقيق مستوى معينTarget» من المبيعات في منتجاتهم الطبية من أدوية وأشعات وتحاليل وحتى تنويم للمرضى، في حين قد لا تستدعي نسبة عالية من الحالات تلك المبالغة في الإجراءات، هذا يعني أن مُراجعاً ربما يتصور أنه مشرف على الهلكة في حين قد تكفي مجرد الراحة لإزالة كل ما به من أعراض.

لا شك أنَّ للخصخصة إيجابيات كثيرة أحدها أنَّ السعي إلى الربح والمنافسة في السوق كهدفين رئيسين يتطلبان تطويرا مستمرا في المنتجات وفي الخدمات ما يعني أن تحويل أي منظمة إلى ربحية سينعكس إيجاباً على المستهلك، هذه العناوين قد تتحول مع الأسف إلى شكلية تماماً في القطاع الصحي، حينما تسعى نسبة قد لا تكون قليلة من المستشفيات الخاصة إلى إبراز اهتمامها بالمريض بطريقة مزيفة من خلال إشعاره بأهمية إجراء سلسلة من الفحوصات والتحاليل والأشعات التي تهدف إلى مزيد من الاطمئنان على حالته، ولأنَّ هذا العنوان البرَّاق يبدو في ظاهره إنساني فغالباً ما لا يرفضه المريض مسلِّما نفسه لهذا المتخصص الذي يدعي أنَّه مؤتمن على روحه، في حين أن المتخصصين المحايدين وحدهم ما يستطيعون تمييز عدم الحاجة لكل تلك الإجراءات والجزم بأنَّها مجرد سرقة واضحة من شركات التأمين والضحية الأساس هنا هو المريض، الذي قد يُمنح من الأدوية ما لا يحتاج ليتسبب له في مضاعفات قد تكون خطيرة على صحته بعكس ما يتوهم من العناية المبالغة فيه، التبرير المؤسف الذي قد يسوقه هذا النمط من الأطباء هو أنَّ مستقبلهم المهني في خطر بسبب سيطرة عقلية الربح على المالك الأساسي الذي يرغمهم على اتباع هذه السياسة، وفي اعتقادي أنَّ هذا التبرير أقبح من ذنب، فلا يمكن بحال من الأحوال تبرير التلاعب بأرواح الأبرياء بمثل هذه الدعاوى، كما لا يمكن لشخص يمتهن مهنة من أنبل المهن ويقسم على التزامه بالمواثيق الطبية أن يبرر الحنث بها بمثل هذا التبرير.

ينص قسم الأطباء على «أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلًا وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أسخِّره لنفع الإنسان لا لأذاه»، هذا القسم أو أي صيغة أخرى تقود إليه يجعل المسؤولية الأخلاقية الأساسية في التعامل مع المرضى ملقاة على الطبيب، وما لم يكن أكثر رفضاً للعقلية التجارية التي تفرض عليه سلوكيات غير أخلاقية فسيكون اللقب الأكثر مناسبةً له هو مندوب مبيعات ولكنه مع الأسف مندوب بالكذب والتزوير وقلب الحقائق.