آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 3:17 م

البروفسورة المطيري وملاحقة الفضول

سراج علي أبو السعود * صحيفة الشرق

أشارت العالمة والبروفسورة السعودية غادة المطيري في إحدى مقابلاتها إلى أن أحد أهم الأسباب التي أوصلتها لما هي عليه الآن من مكانة علمية عالية وإسهامات مميزة يعود لما أسمته «ملاحقة الفضول»، وهي بذلك تشير إلى أنَّ الإنسان غالبا ما يكون مبدعا في أحد الجوانب العلمية، وما ينبغي له أن يفعل ببساطة لكي يصل إلى أعلى الدرجات هو ملاحقة ما يُحب، وبذل الجهد في تطوير النفس مهارياً وعلمياً ليجد نفسه لا محالة مبدعا في المجال الذي سلكه، ثمة إشكال بسيط قد يُطرح هنا وهو أن الفضول لا بد ولكي يتحقق من مستوى معين من العلم والتجربة لاكتشاف الإنسان لنفسه ولموهبته، ومن دونها لن يعرف هذا الإنسان حقيقته، لن يعرف لاعب الكرة أنه موهوب ما لم يلعب الكرة، ولن يعرف الرسام أنه موهوب دون أن يمارس الرسم، والحال هي الحال في العلوم المختلفة، من هنا فإنَّ الخطوة الأولى لصناعة المواهب المبدعة هو صناعة التعليم المتنوع الذي يوفر مجالات متعددة من العلوم النظرية والتطبيقية، بحيث يُتيح للطالب في سن مبكرة التجربة واكتشاف نفسه واختيار الطريق الذي يجد في نفسه القدرة على الإبداع فيه.

التعليم كأحد أهم الشرايين في بناء الدولة الحديثة لم يزل في بلداننا العربية وبشيء من التفاوت، بعيداً عن الدرجة التي تجعله قادراً على بناء إنسان مبدع ومنتج وإنسان ذي تفكير حر ومستقل، أحد المقترحات المهمة لتطوير التعليم هو أن يتضمن - بالإضافة إلى ما هو موجود الآن - مَعامل تطبيقية يمارس فيها الطلاب شيئاً من الأعمال الفنية المتعلقة بالفيزياء والميكانيكا والكهرباء وكذا الكيمياء والمركبات إلى غير ذلك من الأعمال الفنية، علاوة على معامل للفنون المختلفة كالرسم وغيرها، بالإضافة إلى شاشات السينما العلمية التي تعتبر هي الأخرى وسيلة ممتعة ومهمة في التعلم، هذا النوع من التعليم يمنح الطالب فرصة أكبر لمعرفة مواهبه والتعلق بها في سن مبكرة عن تجربة وعلم، لا شك أنَّ الأُسرة معنية كثيراً بتوفير جو تطبيقي وتجريبي للأبناء للتعليم، ولكن المدرسة كمؤسسة ذات إمكانات أكبر ينبغي لها أن تقوم بهذا الدور بشكل أوسع، البروفسورة المطيري أكدت في لقاءاتها أنَّ ثمة دورا مهما للأُسرة في تشجيعها على العلم والقراءة، ولكن ثمة نقطة تحول مهمة من حياتها كانت حينما منحها أستاذها الياباني في الولايات المتحدة فرصة البحث والتجربة في المعمل، هذه البادرة منحت هذه العالمة خطوة مهمة لاكتشاف نفسها واكتشاف مواهبها، في اعتقادي أنَّ استنساخ البروفسورة المطيري في المجتمع كإحدى المفاخر الوطنية في الكيمياء الصيدلية والحاصلة على أكثر من 10 براءات اختراع بالإضافة إلى عديد من الجوائز، استنساخ المطيري وأمثالها من المبدعين لا يكون إلا بإعادة هيكلة التعليم ليتحول إلى شكل أكثر تقدماً وقدرة على توفير أسباب منطقية لصناعة المبدعين.

لا شك أنَّ حجم الإنفاق على التعليم وتحديداً على البحث العلمي هو أحد أهم ميزات الدول المتقدمة، تتبوّأ الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، اليابان وَألمانيا المراكز الأربعة الأولى في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على البحث العلمي يبرر لنا الإسهامات العلمية والتكنلوجية العظيمة التي تقدمها تلك الدول للإنسانية، وفي المقابل فإنَّ التصنيف المتأخر لدولنا العربية يجعلها دولاً مستهلكة فقط، الوصول إلى تلك الدرجات المتقدمة لا شك أنَّه يبدأ من التعليم، وما لم تكن هناك خطة طموحة لصناعة تعليم متقدم يقوم على التطبيق والتجربة لا على الجانب النظري فقط، فسنبقى مع الأسف متأخرين كثيراً عن الدرجة التي نتمناها.