آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

لكي تصبح مديراً!!

سراج علي أبو السعود * صحيفة الشرق

تختلف الحياة الوظيفية كثيراً عن الحياة الدراسية، في المدرسة يكون الطالب الأكثر اجتهاداً هو الأفضل في النتيجة من ناحية التحصيل العلمي من زملائه الطلاب، في الوظيفة لا تبدو العلامات المرتفعة التي تزين شهادته ولا حتى دراساته العليا سبباً منطقياً في تبوئه لمناصب إدارية عالية، في الوظيفة هناك ما يسمى فن التأثير والقدرة على تكوين العلاقات، ما ينبغي أن يعيه هذا المتفوق المستجد في العمل الوظيفي أن التقييم الممتاز والأداء الرائع وسلسلة الإنجازات المهنية كلها غير كافية ليصبح مديرا، الكافي بوضوح هو أن يكون من «شلة» رئيس الشركة الحالي، أن يكون صاحب علاقة تصل لمستوى الأخوة مع هذا الرئيس، أن يكون الأكثر قدرة على تقديسه وكثير مما يطرحه حتى وإن كان خاطئاً، أن يلتمس له العذر في كل شيء، وأن يشعر بكثير من السعادة حينما يتلو عليك نكاته «الماصخة»، حينذاك لن يكون لمجموعة كبيرة من السلبيات أثر على حظوظه في المنصب العالي.

من النادر جداً الحصول على إنسان لا يكترث بالعلاقات في تقييم الآخرين، ولا يحابي أحداً على حساب النظام، ضمن هذه الحالة تبدو الأمثلة المتداولة: «من جدَّ وجدْ»، «من أراد العلا سهر الليالي» وغيرها هي أمثلة ليس لها علاقة بالواقع الوظيفي، في الوظيفة لا يصل الجاد ولا العالم ولا المنضبط الى المناصب الإدارية العالية، بل لعل المُثل والأخلاقيات الصارمة هي في بعض الأحيان صفات سلبية في الموظف من وجهة نظر كثيرين، الذي يصل بالموظف لأعلى المناصب هو قدرته على إشعار مديره بأنَّه - أي المدير - الشخص الفريد النادر الذي لا يمكن أن يكون له بديل، إشعار الرئيس بأنه القائد الذي دون وجوده ستغلق هذه الشركة أبوابها، لأن وجودها مرهون بوجوده، العمل بكل اجتهاد من أجل نجاح المدير وليس نجاح الموظف، هذا الأسلوب له مفعول جيد على كثير من المديرين ما يجعلهم يضعونه خياراً مهماً من خيارات تبوء مناصب إدارية مرموقة، في تصوري أنَّ المستَجِد في سوق العمل ينبغي له أن يدرك أنَّ كل السلبيات التي يراها من حوله ليست أسبابا منطقية للإحباط، الموظف يحتاج في حياته الوظيفية للعمل تحت مدير سيء، مدير جاد، كسول، منضبط، مهمل وغيرها من الشخصيات المختلفة، كل هذه الشخصيات تمنحه خبرة مهمة تجعله قادراً فيما إذا تبوأ أحد المناصب الإدارية في المستقبل على اختيار النمط الأكثر قدرة على تحقيق أهداف المنشأة بالمستوى والكفاءة المطلوبة، من هنا كان لزاماً عليه أن يتأقلم مع كل هؤلاء من خلال «فن التأثير» على المدير والتأكيد له دائماً أنَّه مفتاح النجاح الحقيقي.

المثاليون المتفوقون في مدارسهم وجامعاتهم والمقبلون على العمل الوظيفي وكأنه فصل دراسي يحقق فيه أعلى الدرجات أكثر الطلاب اجتهاداً، هم مع الأسف يصطدمون في كثير من الأحيان بالواقع الوظيفي المغاير، يظنون أنَّهم بالضرورة سيكونون إداريين يرأسون زملاءهم الأقل منهم مستوى أثناء الدراسة، في حين تختلف الصورة تماماً، هؤلاء ينبغي عليهم أن يدركوا أنَّ فن تكوين العلاقات والتأثير على القيادات الإدارية هو الطريق الحقيقي الذي يمنحهم حظوظا أعلى في المناصب الإدارية العليا، ومن دونها فإنَّ سنوات الوظيفة الطويلة لن تكون سبباً في تحقيق أي تقدم وظيفي ملحوظ.