آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

لن يعود القنديل إلى سهره...! - حسن السبع «1948 - 2017»

حبيب محمود *

«1»

.. وقال ممازحاً: ”ولدتُ عام النكبة، وتزوجت عام النكسة“...!

ولو زار أحدَنا في المنام ليُخبره عن عام موته؛ لاستنطق من المأساةِ ما يُسرِّي عن الرُّوح بواحدةٍ من فلذات ظُرفه وخفةِ ضوئه..!

«2»

.. وكنتُ أتوقَّع أن أدخل ”فيلّا“ على الفخامة التي يسكنها المتربّعون على كراسي المسؤولية. وحين وصلتُ وشاهدتُ بيتاً عاديّاً جداً.

قلتُ له معلّقاً: أنت رجلٌ نزيهٌ. لا شيء في منظر بيتك يدلّ على أنك ثاني مسؤول في إدارة بريد أكبر منطقة سعودية من حيث المساحة..!

فردّ على طريقته: بيتي مثل بيوت الشاميين في الزمن العثماني. عادية جدّاً من الخارج؛ حتى ينخدع الجُباة، فلا يطلبون ضرائب عالية. أما في الداخل؛ فهي على غرار آخر..!

«3»

وذات مكالمة مزدحمة بالقهقهة؛ قال: أنا الطفل الوحيد في المنزل. وأظنُّني تتلمذتُ على هذا الحلم، وما زلتُ تلميذاً، فيا نُعماها تلمذة..!

«4»

أمضى 40 سنة في الوظيفة الحكومية. وبهدوءٍ رائق؛ أكمل دراسته الجامعية، وحصل على بعثةٍ باريسيّة مكّنته من اللغة الفرنسية. وبكدٍّ ذاتي مُوازٍ لعمله؛ كوّن معارفه وبنى ذائقته من ثلاث ثقافاتٍ من أمّهات لغاتها. ومع ذلك؛ لم يُظهر لأحدٍ مبازاةً بقراءة إليوت أو شكسبير بلغتيهما الأم. كان صادق التواضع في هذا الصدد..

«5»

.. وعلى ما لديه من نهَمٍ في التواصل مع الثقافات؛ آمن بثقافته الأمّ إيمان الحافر في أسرارها، المنقّب عمّا هو جديد ومدفون في تراثها. كان يبحثُ عمّا أغفله المولعون بالمشهور والرائج. كان يُشهدُ رؤيته وذائقته على هوامش يصنعُ منها مُتوناً غضّة.. لم يكتفِ بقوائم المشاهير الجاهزين في الكتب..!

«6»

.. وبوعيه الملتفت إلى أفعال المعارك الصغيرة؛ لم يتعصّب لـ ”شكلٍ“ بذاته من أشكال القصيدة. كان يؤمن بأن الإبداع ينبض في النصّ ذاته، لا في شكل إيقاعه. مارس هذا الإيمان في شعره عملياً. كتب الشعر التناظري وشعر التفعيلة.. إلى جانب قصيدة النثر..!

«7»

وفوق ذلك كله؛ أظهر صبراً وجلداً وبذل جهده في رعاية مواهب الأدب عبر موقعه السابق في صحيفة ”اليوم“. أُوكلت إليه مدة غير قصيرة مهمة الإشراف على صفحة اسمها ”كتابات“، تنشر نصوصاً واعدة. لم يكن ينشر فحسب، بل يصحّح، ويرمّم، ويُصلح ما يمكن إصلاحه، ويخاطب مريدي الصفحة بلغة رؤوم.

قبل ثلاثين سنة؛ كنتُ أشتري صحيفة ”اليوم“ من أجل مقالاتِ ثلاثة كُتاب: محمد العلي، رجاء النقاش.. وحسن السبع.

رحم الله أبا نزار، وتغمّده بعفوه، وتجاوز عنه وعنا، وكتب له في رزق الآخرة فضلاً من عنده، وأدخله في عباده وجنته، وربط على قلوب ثاكليه بصبرٍ جميل. إنا لله وإنا إليه راجعون.