آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

”سمسم“ صانعة الأمل

قد يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ عند قراءة العنوان إلى أنه قد يشير لمسلسل الأطفال ”شارع السمسم“، والذي ساهم في تربية جيل السبعينيات. أو قد يأخذك تفكيرك إلى مسلسل ”علي بابا“ وتلك العبارة السرية التي من خلالها يفتح له باب المغارة.

ولكن الحقيقة هي أن ”سمسم“ رمز لحالة مجتمعية كانت قد ولدت من رحم الألم، وتربت في أسرة أشبه بالثكنة العسكرية. وبالرغم من كل هذا إلا أنها لم تقرع أبواب المعالجين ولم تطلب خط المساعدة، بل على العكس فهي مصدر للطاقة الإيجابية التي يبحث عنها الكثير.

خلال خبرتي المهنية وبالتحديد في مجال الخدمات النفسية، لمست أهمية الدور الكبير للأسرة في صناعة الفرد وتحديد معالم شخصيته، وكيف أن الانسان يتعامل مع مختلف الظروف بناء على السنوات الأولى من حياته. فالقاعدة هي أن العنف الموجه نحو الطفل يخلق شخص ضعيف الشخصية لا يمتلك القدرة على اتخاذ القرار، ولا يسعنا القول بأنها حتمية إلا إذا اجتمع أكثر من عامل.

ولكن حالة ”سمسم“ كان من المفترض أن تكون شخصية مسلوبة الإرادة، يعتريها الخوف من وقت لآخر، وفاقدة للثقة في الآخرين، منطوية على ذاتها، تهوى العزلة وكثيرة البكاء أو مدمنة مخدرات.

فطفلة في عمر الخمس سنوات فقدت والدتها، وبعد أشهر قليلة فقدت والدها، لتصبح لاجئة يتناوب على تربيتها أخواتها وخالاتها وخالها، حيث كانت تتنقل بين بيوتهم ممسكة كيس يحوي ملابسها غير مدركة كم سوف تقضي معهم من أيام. فالبعض حوّلها لخادمة تكنس وتمسح وتطوي وتغسل، والبعض كان قد أعد لها قائمة من الكلمات النابية ليختار منها ما يشاء ويرميها بوجهها متى شاء. بدأً من القاتلة حتى المسترجلة، والأدهى والأمر فقد كان هناك من أسرتها من يقوم بتدريسها وفي الوقت نفسه كان يستقطع من ورثها مكافئة لنفسه. وما أن بدأت تكبر حتى بدأت مرحلة جديدة من العذاب، حيث بدأت تدرك بأنها قد كانت منبوذة في العائلة كونها كانت عبء عليهم. وكيف أن الجميع قد تخلى عنها لتعتزل الناس، ويتحول العالم الكبير إلى غرفة صغيرة تعيش فيها مرارة الألم وقسوة فراق والديها.

ويبدو بأن صلابة جدران تلك الغرفة قد انصهرت لتذهب نحو ”سمسم“. والتي بدورها امتصت تلك الطاقة ليتفجر طموحها وتتكسر قيودها وتخرج للناس كرائدة ناجحة لايستغني عنها المجتمع، وكأنها عاشت في كنف أسرتها فتاة مدللة كانت تنام في أحضان أمها وتصحو على أحضان أبيها.

فبرغم الظروف إلا أنها أكملت دراستها واستطاعت أن تجد لها وظيفة تدر عليها ما يجعلها تحلق في سماء الأمل.

”سمسم“ كانت على رأس قائمة تلك الكلمات النابية وأصلها ”سم“، إلا انها قامت بقهرهم وأضفت عليها جمالا لتضيف على كلمة ”سم“ جرعة ”سم“ أخرى لتصبح ”سمسم“ من الحلوى والسكاكر.

ويبدو بأن تأثير تلك الحلوى دفعها لأن تعطيني الأذن في كتابة المقالة، إيماناً منها بأن الكثير مثلها بحاجة إلى من يلهمهم ويسقيهم جرعات من الأمل..

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام