آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

الشيطان الأكبر

فاضل العماني * صحيفة الرياض

خلال القرون الطويلة الماضية، مرت الأمة الإسلامية، وخاصة مكونها العربي، بالكثير من التحولات والأزمات والتحديات التي ساهمت في تشكيلها وصياغتها وتلوينها، ولكن «الخطر الأكبر» الذي كان وما زال، يُمثّل تحدياً مصيرياً يُلامس كيانها واستقرارها ووجودها، هو بلا أدنى شك «نفق الطائفية» بكل ظلامه وتخلفه ورجعيته. والاختلافات والتمايزات والتباينات العقدية بين مختلف فرق ونحل وطبقات المسلمين، مهما كانت كبيرة أو كثيرة، هي صدى حقيقي للأفق الواسع للشريعة الإسلامية التي تتميز بالرحابة والمرونة والتشكل، ولا ينبغي لتلك الاختلافات - أو الخلافات - أن تكون مدعاة للتباغض والتناحر والتصارع أو تكون مدخلاً سيئاً للتطاول والتراشق والتنابز على الفرق والجماعات والفئات. كل تلك التجارب والخبرات والصراعات المريرة التي عانت منها الأمة الإسلامية بسبب تفشي داء الطائفية، آن لها أن تدق ناقوس خطر في وجه كل دعاة ومروجي وتجار الطائفية البغيضة، وآن لها أن تُعيد تأسيس ثقافة التسامح والتآخي والوسطية، وهي المبادئ والقيم والنواميس الإسلامية الأصيلة التي تستحق أن تحضر بقوة في كل تفاصيل حياتنا، ولتكون سبباً رئيساً لغياب كل مظاهر العنف والإقصاء والتمييز.

ولكن السؤال المعقد هنا: كيف نواجه الطائفية؟. حقيقة، لا بد من الاعتراف بأن الخروج من نفق الطائفية المظلم، ليس أمراً هيّناً على الإطلاق، فهو يحتاج لرغبة جادة وإرادة قوية وقدرة فائقة. وحتى لا أتهم بالتنظير والسفسطة، سأضع أربعة حلول/ نقاط، أجدها مناسبة كأسلحة فعّالة لمحاربة الطائفية:

الحوار، كمبدأ وثقافة وقيمة، بحاجة ماسة لأن يتجذر في فكر ومزاج وسلوك أفراد ومكونات ونخب المجتمع، لأنه يُمثّل أحد أهم «معالم الطريق» للخروج من نفق الطائفية المظلم.

المناهج، وخاصة في المراحل التعليمية المبكرة، تحتاج لعملية تنقية وفرز وغربلة، وأن يُزال منها كل ما من شأنه أن يُثير الخلافات أو يُذكي الاحتقانات أو يؤجج الصراعات، وفي المقابل يتم التركيز على المشتركات - وهي الأكثر - لزيادة منسوب التقارب والالتقاء والثقة.

الإعلام، وخاصة الجديد منه، والذي يُسيطر تقريباً على عموم المشهد العام، بحاجة ضرورية لأن يتعاطى بمسؤولية وانضباطية ومهنية، وأن يكون منصة كبرى لممارسة التسامح والانفتاح والتقارب بين مختلف الألوان والفئات والثقافات، لا أن يكون منبراً طائفياً لخفافيش الظلام ودعاة الفتن وتجار الأزمات لبث سمومهم الكريهة.

القانون، وهو الحل/ الركن الأهم في «مربع الحرب على الطائفية»، لأنه يُمثّل الحارس الأمين الذي يضمن كسب المعركة. القانون بكل أدواته وآلياته وإمكاناته، يُمثّل القوة والعقاب والتجريم، ضد كل من يُتاجر بالطائفية.

كثيرة هي المصدات والدروع والأسلحة التي تُحارب الطائفية، ولكنها تحتاج لوقفة جادة من كل المكونات والمستويات والقدرات، للوقوف في وجه هذه الآفة الفتاكة. الطائفية بكل ألوانها وأشكالها ومستوياتها، هي «الشيطان الأكبر» الذي يستحق أن تُصوب باتجاهه كل الحجارة.