آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 2:36 م

معضلة مرجعيات الثقافة العربية

محمد الحرز * صحيفة اليوم

سمة الانبهار هي الظاهرة السيكولوجية التي تلبست الحالة العربية إبان احتكاكهم بالحضارة الغربية منذ القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، ولم يسلم من تداعيات مؤثراتها أحد، سواء من اتخذ الموقف الضدي منها أو من تبنى جميع قيمها أو نظمها المعرفية أو من حاول أن يوفق في خطابه بين هذا وذاك. لقد تسبب هذا الاحتكاك في الشرخ النرجسي للذات العربية على حد تعبير عبدالوهاب المؤدب. فالذين انساقوا وراء قيمها ونظمها المعرفية على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية لم يلتفتوا إلى تاريخ الصراعات الفكرية والدينية والسياسية منذ العصر الوسيط إلى مرحلة الحداثة في أوروبا، ولم يأخذوا بالأسباب التي أدت إلى مثل هذه الصراعات، وإنما أخذوا النسخة النهائية لمآلات الحداثة في القرن العشرين، مهملين ذلك الاشتباك الذي لا يمكن فصله في التراث المسيحي الأوروبي في سياق التحول إلى الحداثة بين المرجعية الفلسفية اليونانية والثقافة الرومانية من جهة ومرجعية الدين اليهودي والمسيحي من جهة أخرى. فمثلا ليبرالية ما قبل الثورة الفرنسية هي غيرها ما بعد الثورة الفرنسية خصوصا في مجال علاقتها بالدولة والاقتصاد. لقد اتخذوا مواقف تتصف بالقطيعة وليس الاتصال متأثرين بفكرة القطائع التي مارسها الفكر الأوروبي من نموذج «أوجست كونت» في علم الاجتماع عن المراحل الثلاث في تحول المجتمعات «اللا هوتي والميتافيزيقي والوضعي» إلى نموذج ميشيل فوكو المتعلق بالقطائع المعرفية حول التاريخ، إلى النموذج الماركسي اللينيني الذي وجد في الدين اغتراب الإنسان عن مجتمعه وينبغي القطع معه، رغم أن ماركسي أمريكا اللاتينية لم يؤمنوا بذلك.

وهذه ليست سوى مجرد نماذج نوردها للتدليل فقط؛ لذلك انطلاقا من هذه الرؤية يمكن فهم الدعاوى التي برزت على أيدي هؤلاء، أهمها مقولة فصل الدين عن الدولة. ولا أريد أن أخوض في هذه المسألة التي أشبعت بحثا الآن. لكن ما يهمني منها هو إبراز التماثل بين مفهوم القطيعة هنا ومفهومها هناك. بينما أصحاب المواقف الضدية المتمثلة بخطاب الإسلام السياسي فإنهم لا يمثلون سوى الإيديولوجيا المضادة لتلك الإيديولوجيات التي عاشت إزاءها كالقومية والماركسية في الفضائين الأوروبي والعربي، الاختلاف بينهما فقط في المضامين بينما آليات التفكير والذهنية واحدة، فمفهوم التمكين عند جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال ليس سوى الوجه الآخر لتبرير الصراع على السلطة عند القوميين. أما على مستوى المرجعيات، فالجماعة حين ارتكزت على مقولات حسن البنا وسيد قطب فإنها أعادت تأويلها للإسلام بالرجوع إلى نصوص من التراث واستعملتها بطريقة انفصالية تعسفية، بحيث يخدم مصالحها للوصول إلى السلطة، متغافلة تماما عن مقولات عصر النهضة الإصلاحي بالخصوص الخطاب الإصلاحي الديني عند الأفغاني ومحمد عبده، لأنها لا تلبي تلك المصالح. والسؤال الذي أود طرحه في النهاية، وأترك إجابته للقارئ العزيز: أيهما الأكثر أولوية وجدوى في فهم الإخفاق العربي على جميع الصعد والمستويات، التركيز على الانبهار كظاهرة نفسية أم تفكيك الآليات العقلية التي تنتج المعرفة؟!