آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الخرافة

عباس سالم

الخرافة هي الاعتقاد أو الوهم القائم على مجرد تخيلات من دون وجود سبب عقلائي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة، والخرافة ترتبط بفلكلور شعبي وهي عادة ما تمثل إرثاً تاريخياً تتناقله الأجيال.

إن الخرافة في الماضي كانت حاضرة بين الناس وأنها هي التي كانت تجلب الحظ والسعادة لهم، وأن القوة العشوائية للطبيعة كانت واضحة، وأن الإنسان حاول السيطرة على قوى الطبيعة ومسألة الحياة والموت من خلال الطرق السحرية، وأن الخير والشر يحل بِنَا بدون انتظام أو سبب، وأننا نتخيل أن هناك أرواحاً أو قوى هي التي تتسبب لنا في حسن أو سوء الحظ.

إن معتقد الخرافة هو اعتقاد غير عقلاني أو ممارسة لا عقلانية، وقد تكون دينية أو ثقافية أو اجتماعية أو شخصية، وأن بعض الأفراد يصنعون خرافاتهم بأنفسهم، فقد يشتري شخص ما خاتماً ويضعه في يده، وفِي يوم من الأيام يشترك في أحد المسابقات ويكسب إحدى الجوائز الكبرى، فلا يكون منه إلا أن يعتقد أن هذا الخاتم هو السبب في كسب الجائزة، وقد تحل بشخص مشكلة ما في يوم ما فلا يكون منه إلا الاعتقاد بأن هذا اليوم هو يوم شؤم بالنسبة له.

إن الخرافة في الماضي كانت حاضرة بين الناس في المجتمع، إذ كان في أحد البساتين في بلدتي الصغيرة حجرة تسمى ”بت حيدر“ تلك الحجرة كانت مزاراً للنسوة يتوافدن عليها من كل حدب وصوب، ويتقربن بها إلى الله تعالى لقضاء الحاجات، ويوفون نذوراً لها ظناً منهم بأنها سوف توجبهم وتحل مشاكلهم، وكأنها ولي من أولياء الله سبحانه وتعالى! وأن جيلنا والأجيال الذين سبقونا كانوا حاضرين هناك، ورأينا مناسبات ندور كثيرة كانت تقام عندها، وتذوقنا ألذ الأطباق عند مقامها خصوصاً العصيدة التي يزينها دهن البقر الخالص والمعمول محلياً.

إن الجدات والأجداد في الماضي كانت لديهم الكثير من الخرافات التي كانو يمارسونها ضدنا، منها تخويفنا عندما يراد منا الخلود إلى النوم، فيقولو لنا: يالله نام لا تجي لك ”أم الخضر والليف“ فنخلد إلى النوم خوفاً منها، أو أنهم يخوفوننا ب ”الدعيدع“ فإذا أردنا الخروج ليلاً لمكان ما وهم لا يرغبون في ذلك يقولون لنا: لا تروح ترى فيه هناك ”دعيدع“ يأخذ الأولاد وغيرها من الخرافات.

إن الخرافات كانت كثيرة ويعمل بها باعتقاد مغلوط يستند إلى الجهل ومن حيث نقص المعرفة، على سبيل المثال وإلى وقت قريب كانت تأتينا رسائل إلى داخل بيوتنا، وفيها أن صاحب الرسالة رأى في المنام أحد الصالحين وأنه كذا وكذا، ويطلب منا أن نطبع الرسالة كذا طبعة ثم ترسل إلى عشرة أشخاص ليصلك بعدها خبر جيد خلال 24 ساعة وإن لم تفعل فسوف يأتيك عكس ذلك!

وفِي ظل التطور التكنولوجي لا زالت الخرافة حاضرة عندنا! فهناك رسائل وقصص خرافية لا فائدة منها يتناقلها الناس فيما بينهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيها وعيد وتهديد لمن يقرأها ولا يرسلها لغيره! وَهْم الخلاص من ذلك الشر وتغييب العقل بأن الخير هو من عند الله سبحانه وتعالى وأن الشر هو من أنفسنا، ولازالت تتداول مثل تلك الرسائل الخرافية بين البشر.

لا شك أن قصص الأولين تشكل منبعاً لثقافتنا، وعلينا كدارسين ومعلمين كتاباً ومثقفين حمايتها من الضياع، لكن يبدو لي أن بعض تلك القصص باتت للكثير منا وللبعض من جيل شباب اليوم البعيد عن ماضيه ما هي إلا حكايات مملة، ولبعضه الآخر مثيرة للضحك لكونها قديمة، وربما للأجيال المقبلة تصبح بمثابة الخرافة.