آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

جمالية مودتهم (ع)

الميل الشديد والانجذاب لتلك الذوات الطاهرة، والمجسدة للكمالات الروحية التي يبتغي ويسعى المؤمن للتحلي والتلبس بها، هو ذاك المقصود بمودتهم والتي تعادل في كفة الموازين الإلهية جزءا بسيطا من رد المعروف والأجر الرسالي، لرسول الله ﷺ من كان السبب المتصل بالسماء رحمة وهداية للعباد، فهذه المحبة تقع في صلب الأوامر الإلهية لمن ابتغى الرضوان والتوفيق الخاص نحو المنعة والحصانة أمام عوامل الانحراف والعصيان المهلكة.

وهناك من نسبها جهلا بفهم مفاتيح المقاصد الربانية، فزعم بأن تلك المحبة الخاصة تصف في خانة المغالاة والبعد عن طريق الحق والسداد، فوصفها بأنها نحو من الابتداع التي تفرضها الأهواء، تماما كما كان من الأقوام السابقة التي قادها الهوى نحو تأليه الأوثان!!

وأين هذه المقارنة الخائبة من ميزان المنطق والاستدلال، فمودة أهل البيت منشؤها الامتثال للأمر الإلهي المشار له في كتابه المنزل «إلا المودة في القربى»، فمن ادعى الطاعة لله عز وجل ولرسوله الأكرم لابد أن ينصت ويمتثل لها كلها بلا تفرقة، وإلا كان من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ويعصون لما لا يوافق هواهم ومشتهياتهم الضالة.

والدليل العقلي الذي يبحث عن آيات الجمال والكمال والرقي في الصفات المجسدة للخلق الرفيع، والبراهين المستتبعة للطهارة الروحية المتنزهة عن كدر الرذائل والعيوب وقبائح الأفعال وبذاءة اللسان، ستجدها إن يممت وجهك نحو قداسة وعظمة الآل الأطهار الذين كانت سيرتهم الشريفة نضاحة بآيات الفضيلة في كل جوانب حياتهم، فبأدنى تأمل في تراثهم وما نقلته المصادر الحديثية والتاريخية يقف المرء المنصف المتخلي من وثن التعصب والتزمت وإحن الصدور بكل إكبار وإعظام لقدوة الأنام.

وهذه المودة لأهل البيت لا تنطلق من بعد عاطفي محض يحركه الجانب الوجداني للمرء، بل هو تآزر «فكري - وجداني - سلوكي» قوامه تفكير معمق وبحث دقيق في سيرتهم وتلك المحطات التوجيهية الملأى بالدروس والعبر المكونة لحركة الوعي، بما يرسم معالم حياة الفرد متسلحا بالقيم الأخلاقية ومتجنبا لكل ما يسود صحيفة عمله، وهذا الفكر النير لا يتقوقع في الأذهان فلا تبصر له واقعا ووجودا في تصرفات وعلاقات الإنسان الولائي، بل هو سلوك يمثل عينا مرئية يشاهد من خلالها تجسيد إرشادهم وتربيتهم ، فيكون هذا المرء دليلا على اتباعه واعتقاده بصوابية منهجهم، وهنا يمكننا رؤية الضلع الثالث في هذه المودة ألا وهو العاطفة الواعية، انجذاب منشؤه حب الكمال والصفات الحميدة المتجسدة في تلك الشخصيات العظيمة.

وهذه المودة تتعدد مصاديقها ويجمعها وله وعشق لأهل البيت وحب ذكرهم بما تلهج به الألسن وتشنف به الآذان من ذكر مآثرهم ومواقفهم وكنوز الحكمة التي نطق به لسانهم المبين، فتلك المجالس التي تعقد لذكرهم مهوى فؤاده يبادر للمشاركة والحضور فيها، وينمي فكره بقراءة الكتب التي تفصح عن معينهم العذب، فيضع سيرتهم العطرة معيارا لمواقفه ومواطن محاسبته لنفسه.