آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

صلاة في محراب الغائبين

أثير السادة *

وجدتك بعضي، بل وجدتك ظلي، يا من لم تزل في مهب الغياب، تجمع ما تساقط من قلوبنا إلى قلبك، ثم تنام لتستيقظ بعدها خواطر العابرين من فادح النسيان..

أيها الغافي على أطراف الحلم، أيها البعيد بلا مسافة، والقريب بلا قرابة، هيأنا لك القلب مكانا تستريح فيه، فوجدناك تبوح لنا بأحاديث الغياب، علقناك سراجا في ليل أمنياتنا، قبل أن تطفيء برحيلك آخر نجمة في سماء الأمل.

على مهلك، كنا نشير إليك وأنت تبتعد في صمتك، كطائرة ورقية أرهقتها الريح، حقيبتك المملوءة بألوان الموسيقى كانت كل زادك في تضاريس السفر، لا أقلام، ولا أوراق، ولا صور، ولا عناوين بريد، مشيت إلى الضفة الأخرى فيما نحن نطرز بصلاتنا كل رسائل الشوق إلى لحظة شروق تجمعنا بك، كلما عاد البحر في مده ارتفعت صواري الأمنيات، وتضرعنا لكل الأشرعة التي لم تعرف الانحناء بأن تعود، كسورة من سور الفرح لمكان لا يطيق السفر الطويل.

الأصدقاء الذين انتظروك ماءً في لحظات العطش استوحشوا المداومة على تعداد السنين التي مرت، ليس للوقت حساب في استطالته، إلا حساب العواطف التي جفت مرارا وتبللت على عقارب الساعة، كلما توردت في ربيع الأيام زهرة مضوا يستهلون عبور نجمك في الأفق، فكنت السراب الوحيد في اتساع السماء، معجونا دائما بطينة الأرض غير أنك مولع بأجنحة الطير، بحريتها التي حملتك بعيدا عن مصائد الواقع وشراكه.

أيها العازف على أوتار غيابه، أيها الراحل عنا إلينا، متى يخرجك من الجب بعض السيارة، ومتى يأذن لك الخضر بالرحيل، يا ختام القصيدة ومطلعها، يا ظل أوراقنا التي تيبست في نهارات الأنتظار الطويلة، متى يرشدك الطير إلى عشه المشحونة بالدفء، فتخفق فيك كل الوعود المؤجلة..