آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

وزير التعليم والسبيل إلى الفضيلة

الدكتور محمد المسعود

معالي وزير التعليم

لقد قررت الوزارة إدراج الفلسفة وعلم المنطق في مناهجها التعليمية، وذكرت في أسباب هذا القرار انها لا تريد انتاج نسخة بشرية لكتاب، مهما كانت أهميته، وأنها ترغب فى جيل ناقد، يملك أدوات التفكير، ويملك القدرة على تقبل المختلف عنه، وغير المتوافق معه، حيث إن أول عطايا الفلسفة التواضع في يقين أفكارنا، واحترام أفكار الآخرين، واحترم حقهم في الخطأ، وزوال النبذ والاحتقار والكراهية عن من لهم يقين غير يقيننا، ولديهم إيمان غير إيماننا وهذه ضرورة تعايش وسلم اجتماعي يمثل ضرورة استقرار للبشرية بأجمعها والمملكة تتجه لتقديم النموذج في التسامح والوعي والتدين الناضج الذي يأتي من استخدام العقل لا من إهماله والركون إلى التلقين.

معالي الوزير

الفضيلة والمعرفة والوعي هي الأركان الثلاثة للعملية التعليمية التي تحملها وزارات التربية والتعليم حول العالم، لأن غايتها تسليم جيل يتصف بالوعي والمعرفة والفضيلة، ويحمل مسؤولية المحافظة على المكتسبات وتطويرها في كل المجالات ويجعل المستقبل القريب أفضل من الماضي والحاضر

وحيث أن هذا كله محل إجماع، ولا يظهر وجود سبيل للخلاف فيه، ولا عليه فإن سقوط «الأخلاق» كمنهج نظري مع تطبيقاته العملية، يعد ترك متعمد لركن من أهم الأركان، بل هو غايتها جميعا، وهو دون غيره يجب أن يكون أول رسم الدائرة وهو أخرها. الحياة الحقيقية لكل أمة في أخلاقها، وقوتها في عمق تجدر الفضيلة في سلوك اجيالها، لأننا حين ننتج علماء دون فضيلة ننتج شياطين يصعب السيطرة عليهم، يصعب اكتشافهم، ولأننا سنظل على الدوام بحاجة إلى رقيب على الرقيب وسنحتاج مفتشا يقف على رأس المفتش، التنمية التعليمية بدون أخلاق تنتج جيلا من العسير الوثوق بمخرجاته وانتاجه.

كثير من الدول تفرض الأخلاق العملية كجزء أساسي في العملية التعليمية حتى أن المعلم والمربي إذا سرق أحد تلاميذه في المستقبل أو أصبح مجرما، أو خان الأمانة، يرفع للمجتمع اعتذارا مكتوبا لكونه فشل في تحقيق النجاح الأخلاقي لتلميذه ويوعز المسؤولية التقصيرية لنفسه أكثر من رؤية الخطأ الصادر من فاعله، وان عددا غير قليل من المجرمين كان طلبهم الوحيد أن يغفر لهم المعلم الأخلاقي. والمربي لأنهم خذلوا ثقته فيهم وهي التجربة اليابانية في التعليم للقيم الأخلاقية والسلوكية من الحضانة وحتى نهاية العملية التعليمية بالكامل

معالي الوزير

بقي علي أن أوضح أن ما أعنيه بالتربية الأخلاقية ومنهجها ليس المواعظ التي نعاني من فيضان مرضي من كثرتها، ولكني أعني توظيف علم النفس السلوكي ومعالجة العيوب الفردية الأخلاقية كما يعالج المرض الفردي، حيث يبدأ التشخيص والعلاج والمراقبة على النتيجة والعناية المركزة حتى يتحقق الشفاء التام من المرض لا أطالب بخطباء ولا بخطب ولكني أطالب بمنهج يعلم الأجيال السلوك الفاضل في التعامل مع كل شيءٍ. أطالب تعليم الأجيال فلسفة الأخلاق لا سماع خطب عنها، جعل القيمة الأخلاقية قيمة وجودية لذاته، حتى يرى خسارة كل شيء أقل أهمية من خسارة مبادئه وضميره وربه.

لو نجحنا في هذه المهمة الشاقة جدا والعسيرة جدا فإننا سندخل للمستقبل بتكاليف أقل، وخسائر أقل ومجتمع أفضل في كل جوانبه، وسيكون جدير بكل مكان يوضع فيه ويرتفع لمسؤولية كل موقف يواجهه

وهذا ما نترقب من معاليك تشريعه منهجا يأخذ بجيل كامل إلى الفضيلة والمعرفة والوعي وهذا كل ما نحتاجه من وزارتكم الموقرة.