آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

تنمية الدخل وترشيد الإنفاق: عادات اجتماعية ضاغطة

الشيخ حسن الصفار *

تشكل العادات الاجتماعية عاملًا ضاغطًا حيال مسائل الإنفاق، إلّا أنّ ذلك لا يُشكّل مبررًا كافيًا للانسياق أو التأثر بالعادات والأعراف السائدة، إذا كانت زائدة عن الحدّ المعقول.

في دراسة نشرتها صحيفة ”الاقتصادية“ [الثلاثاء 16 ربيع الآخر 1437 هـ. الموافق 26 يناير 2016م، العدد 8142]، ذكرت أنّ 64 بالمئة من الشباب السعوديين يعزفون عن الزواج بسبب التكاليف الباهظة، بينما يشتكي المجتمع من تزايد حالات العنوسة، وتأخّر سنّ الزواج، أولسنا نحن الذين زدنا مسألة الزواج تعقيدًا، وجعلنا منه عملية مرهقة؟ وأضافت الدراسة أنّ 37 بالمئة من تكاليف الزواج تذهب لتغطية استئجار القاعة التي يقام فيها العرس، ناهيك عن العادات والأعراف المستجدة التي تتزايد بين حين وآخر، فلم يعد يُكتفى باحتفال واحد يقام ليلة العرس، بل صار لعقد القرآن احتفاله الخاصّ أيضًا، ولم يَبْقَ إلّا أن يقيم البعض احتفالاً خاصًا ساعة يفكّر بالزواج!، ليدعو الناس لحضور حفلة اتّخاذه قرار الزواج!

إنّ العادات المكلفة ماليًّا ربما لا تشكل عائقًا أمام المقتدرين، إلّا أنّها تمثل ورطة وعبئًا يُرهق غير المقتدرين. فقد يقول المقتدرون إنّ عندهم خيرًا ويرغبون في عقد أكثر من احتفال بمناسبة زواج ابنهم أو ابنتهم، ولهم أن يفعلوا ذلك إذا توقف الأمر عندهم، غير أنّ ما يجري هو انتشار هذه العادات في المجتمع، وشيئًا فشيئًا تصبح تقليدًا وعرفًا اجتماعيًّا سائدًا، فيتورّط بها أغلب الناس، فإنْ جاروا الأغنياء في عاداتهم أُرهقوا، وإنْ نأو بأنفسهم عن ذلك وقعوا في حرج اجتماعي. وأتذكّر في هذا الشأن أنّ أحد الأشخاص من ذوي الدخل المحدود كان يطلب قرضًا ماليًّا قدره 60 ألف ريال، ولما استفسرت عن مبرّر الاقتراض؟ أجاب: بأنّه يريد تغطية تكاليف زواج ابنته، متعلّلًا بضرورة الاستجابة للأعراف السّائدة في مسألة الزواج، واللّافت أنه لم يكن يملك ما يُسدّد به هذا القرض فيما بعد!.

إنّ الميسورين ماليًّا يتحمّلون جانبًا من المسؤولية في سنّ بعض العادات المرهقة. وهذا الأمر منبوذ شرعًا، متى كانت له انعكاسات سلبية على الآخرين، وقد ورد في هذا الشأن عن الحسين بن أبي العلا قال: ”خرجنا إلى مكة نيفًا وعشرين رجلًا، فكنت أذبح لهم في كلّ منزل شاة، فلما أردت أن أدخل على أبي عبد الله قال: يا حسين، وتذلّ المؤمنين؟ قلت: أعوذ بالله من ذلك، فقال: بلغني أنّك كنت تذبح لهم في كلّ منزل شاة، فقلت: ما أردت إلّا الله، قال: أما علمت أنّ منهم من يحبّ أن يفعل مثل فعالك فلا يبلغ مقدرته فتقاصر إليه نفسه، قلت: أستغفر الله، ولا أعود“.

وفي ذلك رسالة بالغة، مفادها أن لو كان الإنسان مقتدرًا على الإنفاق الباذخ في المناسبات الاجتماعية الخاصة، فإنّ عليه أن يفكّر أكثر من مرة في إمكانية أن يرسي بفعله ذاك عرفًا وتقليدًا اجتماعيًّا يتسبب في إحراج الآخرين، الذين سرعان ما سيجدون أنفسهم معنيين بفعل الشيء نفسه، دون مقدرة منهم، إلّا استجابة للضغط الاجتماعي.

نحن مطالبون بإعادة النظر في بعض عاداتنا المكلّفة، والإحجام عن الانسياق خلف السّائد منها، فليس صحيحًا أن يستدين المرء رغبة في إرضاء الناس، ودرء انتقادهم له، فليتكلّم الناس ما شاؤوا، سيّما وقد جرّت بعض العادات الاجتماعية مشاكل عائلية كبيرة، وكثيرًا ما بلغتنا مشاكل عائلية نتيجة عجز الزوج عن تلبية رغبة زوجته في شراء هدية باهظة الثمن، لتقدّمها إلى قريبتها أو صديقتها في مناسبة أو أخرى، وبذلك تتسبّب بعض هذه الأعراف بأضرار فادحة تصيب شبكة العلاقات والحياة العامة.

خطيب وكاتب سعودي «القطيف»