آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

بين الموهبة وبرميل النفط

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

يُعرِّف «لانج وايكوم» المواهب بأنها «قدرات خاصة ذات أصل تكويني لا ترتبط بذكاء الفرد، بل إنَّ بعضها قد يوجد بين المتخلفين عقليًا»، كما يُعرِّف «كارتر جول» الموهبة بأنها «المقدرة الطبيعية ذات الفاعلية الكبرى نتيجة التدرب، مثل الرسم والموسيقى ولا تشمل بالضرورة درجة كبيرة من الذكاء العام»، كلا التعريفين وتعريفات كثيرة أخرى تؤكد على أن الموهبة أمر تكويني في صميم الإنسان يمكن صقله بالتدرب والتعلم، وليس الذكاء شرطًا أساسيًا فيه.

يحتفظ الإنسان في الغالب بموهبة في مجالٍ أو نشاطٍ ما، تظهر حينما تتاح له الفرصة لمزاولة النشاط المتعلق بها، حينها فقط يمكن ملاحظة مدى الإبداع والإتقان الذي يزاول به ذلك، هذا الحديث يعني أنَّ الشخص الذي لا يستغل طاقاته ومواهبه بشكل جيد قد يبدو شخصًا ليس له أي قيمة علمية أو فكرية، وقد يبدو أضحوكة للآخرين نتيجة ضعف مستواه التحصيلي، في حين أنَّه يحتفظ في قرارة نفسه بموهبة عظيمة في أحد الجوانب لم تستغل بشكل جيد، فبدا بأسوأ وأضعف شكل، في تصوري أنَّ مشروعًا يهدف من جهة لاكتشاف المواهب، ومن جهة أخرى إلى تنمية قدراتها ودعمها لتحقيق ما تحب، يمكن أن يكون استثمارًا ذا جدوى اقتصادية عظيمة لأي بلد، هكذا تبرز في السياق سلسلة طويلة من أكثر شخصيات العالم ثراءً وإسهامًا في تنمية بلدانهم اقتصاديًا على السطح، ورغم بداياتهم المحدودة جدًا وربما المتعثرة، إلا أنهم استطاعوا بمواهبهم المتميزة وإيمانهم بأنفسهم صناعة ثروات هائلة، وبنظرة فاحصة لقائمة أثرى مليارديرات العالم في العام 2018، يمكن تتبع سيرهم الذاتية واكتشاف ذلك بوضوح.

إنَّ مشروعًا تقوم به وزارة التعليم في السعودية لتنويع مسارات التعليم في مراحل مبكرة، بحيث تشتمل على مجالات ونشاطات تتوزع بين النظرية والتقنية وكذا الفنون المختلفة، وتوجيه الطلاب إليها بناءً على استعداداتهم الذهنية ومواهبهم، يمكن أن يشكل استغلالًا أفضل للطاقات التي يتميز بها الطلاب، وهكذا أمر يتطلب تطويرًا للمؤسسة التعليمية العامة بكادرها التعليمي، بحيث يمتلك المعلم القدرة على اكتشاف المواهب وتصنيفها في سن مبكرة.

في تصوري أنَّ مشروعًا كهذا لو تحقق فبلا شك سيمنحنا الفرصة لرؤية طاقات ومواهب بلادنا العظيمة، وهي تمارس دورها في بناء اقتصاد أكثر متانة وقوة، أما دون ذلك فقد نتصور خطأ أنَّ الطلاب ذوي التحصيل العلمي المتدني يمثلون عبئًا اقتصاديًا على البلاد، في حين قد يكون لهؤلاء مواهب تجعلهم حال استغلالها أفضل من ألف طبيب ومهندس وبرميل نفط.