آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

بين الورود والبارود..!!

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

كل شيء في الحياة يخيل إليك أنه يبتسم عندما تحب، وعندما تسمع بالحرب تعبس الدنيا في وجهك فلا مهرب من أهوالها إلا بالحب أحياناً، فالحب قد يقف في وجه الاستبداد والطغيان والحقد والقبح، ولكن ما وجه الشبه بينه وبين الحرب؟

كليهما يبدأ بهدوء، بلطافة، وبشرارة خفية، فالحرب قد يشتعل فتيلها دون استعداد لها، كذلك الحب قد يبدأ دون أن ترغب أو تبحث عنه، فالعلاقة بين الحب والحرب قديمة منذ الأزل، وكأنها صراع بين الخير والشر، فالحب في الحرب يمد المحب بالطاقة والقوة وهو ما يجعله يصبر على أهوالها، فعندما يحب الجندي فهو لا يتوانى عن مكاتبة حبيبته يومياً عن كل الرعب الذي يعيشه والبشاعة التي يراها، كذلك عن أشواقه الحارة رغم برودة الموت، وعن انتظاره للقائها وخوفه من ألا يراها مرة أخرى، يتجلى هنا الصراع بين العاطفة والعقل، بين الواقع والأحلام.

ولكن ماذا يحصل للعلاقة في الحرب، فالمتعارف عليه أن علاقة الحب يشوبها ارتفاعات وانخفاضات ما بين شد وجذب، رضا وزعل، سوء فهم وغضب، غيرة وبرود، فما بالك عندما تعيش الحب في ظروف وعرة قاسية مفجعة، كيف ستكون شخصية المحب، فالحرب تحذرنا من النصف المظلم فينا، من ذلك الشر الكامن في النفوس ويأبي أن يتغير، هذه المتخمة بالضجيج والعويل والرعب والكوابيس، وكأن مرض دق باب جسدك لتفتح رغماً عنك، هي تجربه مؤثرة وآسرة مثل تجربة الحب تماماً فهي تغيرك للأبد، فبين الوحشية الملعونة في الحروب، والحب المزهر المكتوف اليدين يقوى بدن الحب.

فنحن نتساءل عن ما هي فلسفة الحب في الحرب؟، وهل فعلاً دائماً تولد حياة بعد الموت؟ الحرب قد تكون ضد الشر وانتصاراً عليه، وكذلك الحب انتصاراً لكل ألم في الحياة، المشاعر القوية التي يحملها الإنسان في الحرب قد تكون كناية عن التشبث بالحياة، فالإنسان في لحظاته الحرجة تظهر قوته، فالحروب لا تخلف إلا الدمار والانكسارات الكبيرة إلا أن أولئك الذين يحبون في حالات الضعف الإنساني يكونون هم الأقوى دائماً، وهناك قصص كثيرة أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية حيث الدمار الشديد ولد الحب القوى.

ولعل أشهر قصة كانت قصة الممرضة البريطانية ”ماج جريفز“ كانت تعتني بالجنود وتطببهم، حيث وقعت في حب الكابتن باسل لامبرت وأحبها أيضاً إلا أنه رفض الزواج منها حتى لا تصبح أرملة أحد جنود الحرب العالمية الثانية، إلا أنه عاد في العام 1947 وتزوجها. كذلك العاشقين «روي وجرايس» من أستراليا حيث تزوجا بعد قصة حب كانت تبدو يائسة والآن مر على زواجهما 74 عاماً واستمرا بنفس الوتيرة والمشاعر الدافئة كما التقيا أول مرة، كان لديهما طريقتهما في الحفاظ على الحب.

وربما هذه اللفته منهما تحتاج أن نبحر فيها حيث إن الاحتفاظ والمحافظة على الحب أصعب من الوقوع فيه، والقصة بدأت عندما وقعت غرايس في غرام روي ولكن عندما دقت طبول الحرب وشنت قوات أجنبية الهجوم على أستراليا كان روي ذاك الجندي المخلص والمدافع عن وطنه، غاب عن جرايس فترة طويلة حتى ظنت أنه مات في الحرب ولن تراه مرة أخرى إلا في تابوت، ولكن القدر كان يرتب لهما قصة السعادة التي ربطتهما حتى آخر العمر، عاد روي من الحرب وذهب إلى منزل جرايس، ومنذ تلك اللحظة لم يفترقا، فالحب بينهما استمر يشع مثل كوكب مضيء.

القصص كثيرة جداً فكل قصص الحب في الحرب تدوم ولا تنتهي حتى آخر العمر، القصد من ذكر هذه القصص ليس القصة بحد ذاتها بل سيكولوجية الحب والمشاعر وقوة الارتباط فالتاريخ المليء بالألم أو الفقد قد يربطك أكثر بمن حولك، ربما الحب يدوم لأنه لا يرتبط بمصالح أو أهداف شخصية بل كان بين روحين لا تمتلكان إلا هذه المشاعر، ربما الإحساس بالخلود فالحب يخلدك في قلب الآخر ويجعل لك امتداد.

هي تساؤلات مشروعة عن مشاعر جميلة تحل ولا ترتحل، وعلى الرغم من جمال الحب إلا أن بشاعة الحرب لا تبرر، والأكيد كما يقال: مخطئة هي إحصائيات الوفيات في الحروب، فكل طلقة تقتل اثنين.