آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

تشويه الحرية

رجاء البوعلي * صحيفة الرأي السعودي

الحرية قيمة غير مستثناة من التصنيف الذي يمكنه تجزئتها إلى حرية إيجابية وأخرى سلبية، وبطبيعة الحال هما معنيان متعاكسان، وقد لا يلتقيان - في ظروف معينة - بالنظر لدقائقهما كمعنى وسلوك، هذا ما يُفترض الإشارة إليه، ليكون المتلقي على بيّنة بالفارق الكبير بين حرية تؤدي لمشروع إنساني أممي ناهض وبين أخرى تستغل الإنسان وتنتهك كرامته لتستبد بالفساد، فبإبراز هذا الحد الفاصل بالتفصيل لبواطن المفاهيم، يمكن للفرد التقدير وبناءً عليه الاختيار، فأين مكمن الصراع؟

إن الصراع قائم في مواجهة تشويه المعنى الكلي للحرية، والذي يحدث بمحاولة تجاهل القيم العليا فيها، أو التعلل بعجز الفرد عن التعامل مع جوهرها، فهذه المبادرات لا تفيد الواقع بشيء من الإصلاح في طرق التفكير أو السعي في تطوير نمط الحياة للفرد والمجتمع، بل إنها تساعد في عزل الفرد عن مواجهة ظروف الحياة المتقلبة والمحتملة، لأن عجلة الحرية تزداد تسارعًا مع الوقت فإن لم نُدرك هذا الأمر سريعًا - برغم أننا متأخرون - لا شك سيتجاوزنا العالم وسنجد أنفسنا في الهاوية دون أي حيلة للتصرف.

بالتالي، لابد من مواجهة هذه المعادلة مهما بدت مزعجة فكريًا للبعض، فهي طوق نجاة للبعض الآخر، سعيًا لرفع القيم العليا من جانب الحرية الإيجابية ليس باعتبارها كل الحرية بل لكونها طرفًا أساسيًا.

إن تشويه مفهوم هائل كالحرية لا ينم عن وعي بجوهر المعنى أو بمختلف الغايات، بل يعكس أحادية صارمة تُطالب بنتائج موحدة ومضمونة ونهائية لا تغيير بعدها، وهذا يتنافى مع تقدير الطبيعة البشرية المتباينة وسيرورة التغيير في الحياة بما فيها نسبية القيم، فقد تتغير المعايير بتغيير الظروف الزمكانية، وبالنظر لتاريخ العبيد، يمكننا استنباط تقييم لاستبداد الحرية المطلقة الذي يمتلكها السيد آنذاك، والتي تخول له التصرف في أعضاء جسم العبد! لقد انقضى هذا الزمن وذهب بأقوامه وأنظمته الاجتماعية والطبقية ولكنه بقي نموذجًا يمكن الاستفادة منه في فهم إحدى صور الحرية السلبية التي نظمها القانون وحرمتها الأديان فيما بعد.

تحدث النهضة بتوسع مفهوم الحرية لدى الإنسان لتأتي الانعكاسات على جميع الأصعدة الداعمة لتقدم إنتاج المورد البشري.