آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

مريض في طوارئ المستشفى

عباس سالم

المستشفيات هي الملاذ الآمن للمرضى، فيها أطباء يعملون لخدمة الإنسان، وفيها ملائكة الرحمة لترحم مرضى قادتهم آلامهم سعياً للشفاء، رافعين أياديهم تضرعاً إلى الله تعالى بأن يمن عليهم بالصحة والعافية.

مهنة الطب من أقدس وأعظم المهن، فهي مهنة إنسانية في المقام الأول، يقوم عليها أشخاص سخروا جهودهم لتقديم العلاج ومساعدة المرضى، ووهبوا وقتهم لكل محتاج لهم يساعدهم في ذلك ملائكة الرحمة الذين يعتبرون اليد الحنون التي تقدم العلاج لمستحقيه بكل أريحية ورحابة صدر.

الأخطاء الطبية التي أودت بحياة الكثيرين تحدث في كل دول العالم، والقصص كثيرة لضحاياها وباتت في عيون الصحافة المحلية، ولا مجال لسردها في هذه المقالة، وهذه حالة من الحالات التي حدثت لمريض في طوارئ المستشفي وهي: أن مريض ذهب إلى أحد المستشفيات وهو يشكو من ألم شديد في ساقه، وبعد معاينة الطبيب المناوب لحالته قرر من دون أي فحوصات أو عمل أشعة لمعرفة السبب، بأنه لا يوجد شيء في ساقه وإنما لديه شد عضلي، وقال سوف نعطيك إبرتين لتهدئة الألم والرجل يصرخ من شدته.

بعدها رجع إلى البيت ولا زالت الآلام ترافقه دون أن تهدأ، وقرر الرجوع ثانيةً إلى نفس القسم في نفس المستشفى ولكن بإشراف طبيب آخر، والرجل يصرخ من شدة الألم، وبعد معاينة الطبيب لحالته قرر نفس وصف الطبيب السابق من دون القيام بأي فحص لحالة المريض! وقرر إعطاءه إبرتين كذلك لتهدئة الألم والرجل يصرخ ويطالب بعمل فحص وأشعة لكن دون جدوة أو استجابة من الطاقم الطبي المناوب، وذهب إلى بيته حاملاً هم ما أخذه من المستشفى فوق هم آلامه.

بعدها قرر الذهاب إلى طوارئ أحد المستشفيات الحكومية وهو يصرخ من الألم، وعند دخوله أجريت له فحوصات مستعجلة بأمرٍ من الطاقم الطبي المناوب والمشرف على حالته، وبعد إجرائها ومعاينة الأشعة وجدوا أن لديه مشكلة داخل أوردة الساق مع كيس دهني ضاغط عليها مسبباً هذه الآلام، وقرروا إجراء عملية سريعة له لكنه لم يكن محضوظاً بسبب غياب الطبيب المختص لمثل هذه العمليات، وتم تحويله إلى مستشفى حكومي آخر لإجراء العملية.

لكنه قرر الذهاب بالأشعة والتقارير إلى نفس المستشفى الأول، وعند وصوله طلب مقابلة الطبيب وشرح له قصته ومعاناته لحالته، وسلمه التقارير والأشعة التي تمت في المستشفى الحكومي، وبعد فحصها قرر الطبيب عمل نفس الأشعة وبعد النتيجة لا حظوا نفس المشكلة التي في الأشعة السابقة، وقرروا إجراء العملية التي تمت بنجاح بعد معاناه طويلة مع الألم والهم بسبب أخطاء من بعض الدكاترة.

المريض لم يسكت عما عاناه بل قام بعمل شكوى لدى الإدارة الطبية في المنطقة ضد الطبيبين الذين أهملوا حالته في طوارئ المستشفى، وبعد اجتماعات مع لجان طبية معه ومع الدكتورين والاستماع لروايته في المحكمة اعترف الطبيبان بتقصيرهم في تشخيص حالته المرضية داخل قسم الطوارئ بالمستشفى، وكسب المريض القضية وتم تعويض بمبلغ مالي جراء ما لحق به من أذى بسبب الخطأ الطبي الذي تسببا فيه، هذه واحدة من القصص التي أرعبت الناس، وغيرها الكثير من القصص التي حولت زيارة الطبيب من علاج إلى رحلة إلى المجهول.

هناك اختلاف في التشخيص الطبي لحالة المريض بين المستشفيات الحكومية والخاصة، حيث إن الفحوصات الطبية التي تقدم للمريض في المستشفيات الخاصة في بعض الأحيان لا مبرر لها سوى استغلال التأمين الطبي الذي يحمله المريض، وأرهقت جيوب الناس بسبب ما تصرفه من أدوية مبالغ فيها قد تكون لا علاقة لها بحالة المريض ولا يدري ما دواعي استخدامها، وقد تعطي نتائج عكسية لصحته بسببها، وبات البعض يخشى اللجوء إليها بسبب تدني مستويات الرعاية الطبية داخل أسوارها.

من الصعوبة أن تجادل أو تتقصى في نتائج الأخطاء الطبية، سواء كانت النتيجة عطب مؤقت أو عطب دائم أو حتى في حالة الوفاة، وذلك ليس فقط الوصول إلى الأسباب الطبية التي أدت إلى الحالات السابقة هي من تخصص الطبيب أو مجموعة من الأطباء، وليس أن ملاحقة الأمر طبياً وقانونياً أعلى من الخسارة الفعلية الواقعة غالباً، وليس لأن عدد المعنيين بطمر الحقائق وإخفائها أكبر من عدد المعنيين بإظهارها، ولكن لأنك أنت وحدك المعني ولأنك وحدك المتضرر!.

خلاصة الكلام هي أنه كم من الأرواح سوف تزهق وكم من الأجساد سوف تتضرر وكم من الإعاقات التي سوف يحملها المرضى بسبب إهمال بعض الأطباء في تشخيص حالة المريض وفحصه قبل علاجه، وبسبب الأخطاء الطبية التي تسببت في إزهاق أرواح بريئة، خاصة أولئك الناس الذين ليس لهم ”ظهر“ كي يأخذوا حقهم سوف يأتيهم الخبر بأن حالة الوفاة قضاء وقدر فسلموا أمركم إلى الله تعالى!.