آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الخيال.. التشويه

محمد أحمد التاروتي *

يمتلك البعض خيالا خصبا لنسج القصص والروايات، ولكنه يفتقر للمهارات الضرورية، لتمرير تلك القصص على الواقع المعاش، مما يفقدها القدرة على التغلغل في الشعور الاجتماعي، خصوصا وان مبررات نسج تلك القصص والروايات، ليست مقنعة او غير قابلة للتصديق، بحيث تعود على أصحابها بالضرر، عوضا من كسب الشهرة، والانتشار الإعلامي، نظرا لافتقار تلك الروايات للأسس المنهجية، والمقومات الصلبة، والعناصر الأساسية، فضلا عن انعدام المصداقية، وعدم وجود عناصر داعمة، للتسليم بتلك الروايات الضعيفة، او المختلقة في الغالب.

يتحرك أصحاب الخيال الخصب من الرصيد الاجتماعي، او الصدى الإعلامي المكتسب خلال الفترة الماضية، مما يجعله يتجرأ دون وعي لنسج بعض القصص الصادمة، وغير المستندة للحقائق التاريخية، او القبول الاجتماعي، لاسيما وان الغرور الإعلامي يعلب دورا حيويا، في احداث حالة من الاعتزاز الكاذب، الامر الذي يتمثل في الوقوف في مواجهة الحقائق التاريخية، والوعي الاجتماعي عبر اطلاق بعض الروايات الخيالية، والمكذوبة، انطلاقا من قناعات او ثقافة قاصرة، وغير قادرة على تمحيص الغث من السمين.

الافتقار للقدرة على ملامسة الحقائق، يشكل احد العيوب لدى أصحاب الخيال الخصب، فهذه الشريحة تقع تحت تأثير النشوة الإعلامية الكاذبة، مما يدفعها لاتخاذ مواقف لا تصدر من الجاهل، فضلا عن صدورها من المثقف، اذ تمثل هذه الروايات غير الواقعية سقطة كبرى، يصعب معالجتها بسهولة، ”غلطة الشاطر بعشر“، فالغرور الذاتي يضع غشاوة على العقل، مما يمنعه من اكتشاف الأمور على طبيعتها، وبالتالي الدفع باتجاه رسم ملامح خيالية، وغير قابلة للتصديق مطلقا، نظرا لكونها صادمة، وغير مستساغة لدى الجميع، باستثناء أصحاب الخيال الخصب انفسهم.

الاستعجال في التقييم، وعدم القدرة على قراءة ردود الأفعال، تشكل عناصر في اطلاق الروايات الخيالية، فهذه الشريحة تفتقر للقدرة على قياس التجاوب، تجاه اطلاق تلك القصص المكذوبة، لاسيما وانها تعيش في أجواء العالم الافتراضي، مما يجعلها غير قادرة على التواصل مع العالم الخارجي، فهناك بون شاسع بين العالم الافتراضي، والواقع الخارجي، وبالتالي فان العملية مرتبطة بوجود نواقص حقيقية، في طبيعة العلاقة القائمة، بين أصحاب الخيال والبيئة الاجتماعية، مما يعني وجود مسافة كبيرة في طبيعة التفكير بين الطرفين، فالاول ينطلق من أفكار تسبح في الخيال، بغرض تطبيقها على ارض الواقع، فيما الثاني يتعامل مع الأمور وفقا للواقع المعاش بعيدا عن الخيال، والذي يصطدم في الغالب مع الواقع الصعب.

وجود النوايا الحسنة ليس كافيا، لإطلاق القصص الخيالية، فالعملية مرتبطة بالتداعيات المترتبة على نسج، تلك الروايات المشوهة، والكاذبة، خصوصا وان البيئة الاجتماعية تتعاطى مع الحقائق على الأرض، بعيدا عن الأغراض المرسومة، في مخيلة أصحاب الخيال الخصب، بمعنى اخر، فان الحديث عن النوايا الصادقة ليس مقبولا على الاطلاق، ولا يمكن تصديقه من لدن مختلف الشرائح الاجتماعي، خصوصا وان التصرفات الأخرى تكشف النوايا السيئة، فالمواقف الصادمة في القضايا المختلفة لا تدع مجالا، لتغليب النوايا الحسنة على الأغراض السيئة، والأهداف غير الشريفة.

الخيال يكون محركا إيجابيا، مع استخدامه في الأمور ذات العلاقة بالدراما، وصناعة الفن السابع، فيما يتحول الى معول هدم بمجرد استخدامه، في القضايا الحساسة ذات الأثر السلبي، على مختلف الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان الخيال الخصب ينبغي تحجيمه، والسيطرة عليه لتفادي خروجه عن الإطار المسموح، والدخول في المحرمات الاجتماعية، مما يسهم في الاضرار بالصورة الجميلة للثقافة المجتمعية، الامر الذي يقود لمشاكل كبرى تضرب البيت الداخلي، وتدمر الأسس الثقافية السائدة لدى المجتمع.

كاتب صحفي