آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

دماغ الأم وكيمياء المحبة

سلمى بوخمسين صحيفة الرأي السعودي

هل تحدثت يومًا إلى سيدة حامل أو حديثة الإنجاب، ليس مهمًا أكانت عالمة فلك، لاعبة أولمبية أو ربة منزل، فجميعهن سيكون لهن اهتمام رئيسي موحد، سيتلذذن بالحديث عن الصغير الجديد المعجزة وعن إنجازاته الخطيرة كالابتسام، الحديث أو المشي.

ستبدو بقية المواضيع بما فيها اختصاصهن بل وحتى إنجازاتهن الشخصية هامشية، وليست ذات صلة في هذه الفترة، سينسين بعض المعلومات التي قد تكون بديهية ويجدن صعوبة في استرجاع الذكريات، ستجدهن عاطفيات بشكل مفرط وسريعات التأثر، هل هذه مصادفة أم نتيجة رحلة تكيف كيميائية مكثفة خضعت لها أدمغتهن مؤخرًا؟.

في الحقيقة وحسب دراسات حديثة اعتمدت على مسح بنيوي للدماغ قبل وبعد الحمل، تَبين أن الارتفاع الشديد لهرموني البروجستيرون والإكسيتوسين لتسعة أشهر يؤدي إلى تغييرات بنيوية حسية ووظيفية، وهذه التغييرات ذات طبيعة تعويضية حيث تنشط بعض الوظائف على حساب وظائف أخرى، فتنكمش مثلًا المادة الرمادية المسؤولة عن الذكريات والعمليات الذهنية المعقدة بينما يرتفع نشاط اللوزة الدماغية المسؤولة عن قراءة المؤثرات الخارجية أي الأحاسيس وما يرتبط بها من عاطفة، مما يكسب الأم قدرات حادة على إدراك احتياجات صغيرها والمخاطر المحيطة به.

لوحظ أيضًا نشاط عالٍ في نظام المكافآت المسؤول عن إطلاق الدوبامين هرمون السعادة، فترتبط بذلك السعادة بالقيام بمهام الأمومة مما يجعل تكرارها أمرًا جميلًا محببًا.

وليست التغييرات الهرمونية مرتبطة بفترة الحمل فحسب، بل إن رعاية المولود ومراقبة انفعالاته كالبكاء والضحك تساهم في إطلاق المزيد من هرمون الإكيستوسين، الذي يقوي الترابط والتعلق بين مقدم الرعاية - قد يكون الأب أحيانًا - والصغير، ومحصلة كل هذه التغييرات تصبح الأم جاهزة للعب دورها الحساس جدًا، فتكون ينبوعًا للحب والعطف والحنان ويصبح الطفل مصدر سعادتها وعالمها كله.

لكن وفي بعض الحالات تصبح لهذه التغييرات الكيميائية نتائج سلبية وهو ما يعرف باكتئاب النفاس الذي يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا، المهم أن الدماغ ينهي رحلته التكيفية ويعود إلى طبيعته خلال عامين كحد أقصى، وتشير بعض الدراسات أن الدماغ لا يعود تمامًا كما كان بل يطور مهارات المهام المتعددة، فيحافظ على قدراته المكتسبة حديثًا بالإضافة لكل مهاراته السابقة.