آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:01 م

«حسينوه» وأخلاق الأمم

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

في المسلسل الكوميدي الخالد «درب الزلق»، سأل «سعد» أخاه «حسين» قائلا: هل كيف يصير غش بالتجارة؟ فأجابه «حسين» الذي يمثل دور بطل الغش والمتلاعب بالقانون: «هل كيف»؟ خطأ، «هل» خربت «الكيف»، «هل» هذي مالتِكْ.

شوف يا أخ سعد أنا مجبور أعلمك الطرق السليمة عشان تبتدي التجارة من بعدي، التاجر يا «سعد» لازم يتحاشى ويتلاشى الغش، لأن الغش هو العدو اللدود للإنسان، حارب الغش ولو على «قص ارقُبتك»، فأجابه «سعد» بسذاجته: صحيح صحيح، وأجد ناس غشوا وانتهوا، بس ما علمتني أخوي حسين كيف يصير غش بالتجارة؟، فأجابه «حسين»: التاجر يا «سعد» يعلن للناس - مثلًا - بيع «فقع» بعدين يبيعهم «بطاط»، أو يعلن للناس بيع لحم غنم أو بقر، وبعدين يبيعهم لحم «چلاب»، هذا كله غش، التاجر يا «سعد» لازم يكون نزيه، ذرب، أخلاقه مع الناس زينة، يزكي، والتوفيج من الله.

فأجابه «سعد»: هذي والله الصفات كلها فيك يحسين عشان چذيه متوفج، حينها أتت الشرطة للقبض على «حسين» بعدما ثبت أنه الغشاش الأكبر في الفريج، ومع أنه كان يدرك كيف يكون تاجرًا صالحًا، إلا أن إدراكه لم يجعله أفضل مما هو عليه، الذي أصلح سلوكه وقومه فيما بعد هو القانون والعقاب، وهو تمامًا ما يعول عليه في بناء منظومة أخلاق الشعوب، أما عدا ذلك فسيبقى «حسينوه» هو من يحدثنا دائمًا عن أخلاق التاجر فيما هو أكبر المتلاعبين.

ملخص الحديث حول سلوكيات الأمم وأسباب تقدمها وتخلفها يعود في أحد أهم أسبابه إلى معايير الجودة ومستوى الرقابة عليها، والقانون الصارم الذي يضبط أداءها ويعاقب مخالفيها، وليس للأخلاق والأديان والأعراف أثر في ذلك إلا بمقدار غير مؤثر، يعني ذلك بمثال أنك لكي تبني سدًّا للماء ينبغي أن تتوفر في المواد التي تكونه التركيب الكيميائي الذي يجعله مقاومًا للطقس والمناخ وأي عوامل أخرى، لا يوجد شيء اسمه سد إسلامي أو يهودي أو مسيحي، لا يوجد شيء اسمه أخلاق وقيم، السد يُبنى بمعايير جودة محددة وبقانون فعال يراقب الأداء ويعاقب المخالف ويحاسبه.

الحال هو الحال لشق طريق سيارات، فالأسفلت له كما السد معايير معينة، لا يوجد أسفلت إسلامي أو يهودي أو مسيحي، لا يوجد أسفلت رأسمالي أو شيوعي، هذا هو الحال في الصناعة والزراعة والطيران والسفن والصحة والبلدية والمرور والأمن والتعليم ومراكز البحث، ونسبة ساحقة في كل دوائر الدول ومرافقها.

إذن، هل كيف يكون غشًا؟، أو هل كيف يكون تخلفًا ورجعيةً؟، يكون ذلك حينما تختفي معايير الجودة الصحيحة والطرق العلمية للرقابة عليها ومعاقبة مخالفيها، الأديان والأخلاق وكل ما يرتبط بسلطة الضمير لا تساهم في الغالب في ضبط سلوك الناس المتعلق بجودة العمل وحسن الأداء، لن ينضبط المعتاد على السرعة حينما يقرأ لافتة مكتوب عليها: لا تسرع فالموت أسرع، أو: تذكر بسمة أطفالك، ما سيجعله منضبطًا هو المعايير وطرق الرقابة والعقاب.

لن يكترث من يرمي القمامة في الكورنيش أو المتنزه أو الأماكن العامة بجملة: النظافة من الإيمان، ما سيجعلهم ملتزمين بالنظافة هو المعيار والرقابة والعقاب، هكذا أمر هو قاعدة إدارية يمكن ملاحظتها في جميع الدول المتقدمة، من هنا فجدل الدين والأخلاق والموروثات هو جدل ليس له من وجهة نظر شخصية مبرر.

يقول أحد المفكرين العرب: كل الشعوب تلد أجيالًا جديدة إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا، وذلك بغرس طبائع آبائنا وأجدادنا بهم، وحثهم ومطالبتهم بالتمسك بها والحفاظ عليها، لذلك فشعوب العالم تتطور ونحن نتخلف.

هذا الكلام - كما أراه - غير صحيح، الأمم التي تطورت هي الأمم التي بنت منظومة مؤسساتها المختلفة بمعايير جودة عالية وبرقابة صارمة تعاقب المخالف وتقف في وجهه، أما الأخلاق الحقيقية للناس فهي قانونهم ولا شيء في الغالب سوى ذلك، لذا فعلاج داء أي مستوى من مستويات التخلف يبدأ قبل كل شيء بالقانون الصارم ومعايير الجودة والرقابة الحازمة عليها، أما دون ذلك فلن تتطور أمة أو منظمة أو حتى منزل صغير.