آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الوطنية والمواطنة وحقوق الإنسان

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

كانت الشعوب في الماضي قبل نشوء الدول تعيش في وسط قبلي يمتهنون الرعي والزراعة. مفهوم الوطن والوطنية لم يكن موجودا باعتبار أن الولاءات حينذاك محددة في الذهنية العامة، ومحصورة في مفاهيم الجماعة والعائلة والقبيلة وما تقدمه للأفراد من الحماية وحفظ الكرامة، ثم نشأت الدول القديمة التي كانت تجمع هذه القبائل المختلفة تحت رايتها، وبالرغم من سيادة القانون في تلك الدول إلا أن مفهوم الوطنية والمواطنة لم يختمر كما هو اليوم. في القرن ال18 الميلادي جاءت الدولة الحديثة، وتحديدا في أوروبا، نشأ مفهوم الوطنية.

كان في بدايته مفهوما شائكا عند الكثيرين كونه مصطلحا جديدا في تلك الفترة الزمنية، لكنه كان شبيها بمفاهيم عهد الدول القديمة، ومحددا بتوفير الأمن مقابل الولاء للوطن. لم يتطور المفهوم وينضج إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وما شهده المواطن من الويلات والكوارث. هنا بدأ ميثاق حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يلوح في الأفق وتحديدا في عام 1948، حيث تمت صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبدأت الدول في التصويت على هذه الوثيقة، كل ذلك من أجل الحفاظ على حقوق المواطنين في كل دولة ومتابعتها من قبل المنظمات الدولية. وجاءت الاتفاقيات الملزمة لكل الدول الأطراف، واعتبار أن كل ما يأتي في المواد المنصوص عليها في الاتفاقيات، مقدمة على التشريعات الداخلية للدول الأطراف، بل تلغي ما يناقضها في حال المصادقة على المعاهدة.

هذا التطور الحقوقي اللافت يعد نقلة نوعية للدولة الحديثة، وهنا بدأ مفهوم المواطنة والوطنية في الانتشار، والحكومات وضعت في تشريعاتها ودساتيرها حقوق المواطن والحفاظ على كرامته وحقه في الحياة والصحة والرفاهية، وتأمين كل السبل ليحيا حياة كريمة، وفي ظل العولمة سعت الدول في توسيع حقوق مواطنيها كنقطة استقطاب لجذب الكفاءات والخبرات العالمية المميزة. ولذلك أخذت الدول الوطنية تتوسع في عطاءاتها المادية والمعنوية لمواطنيها، مقابل ما يقدمون لها من عطاءات يعززون بها مكانتها بين الدول. وهنا تحددت المواطنة كمفهوم حيوي، بعدما كانت مفهوما غامضا ملتبسا. فالوطنية اليوم تختصر في المعادلة الوطنية وهي العطاء من المواطن للوطن والعكس صحيح.

إن وعي المواطن بالأرض التي يقف عليها هو المواطنة الحقيقية، والتي من شأنها أن يتسابق فيها الجميع لإظهار معانيها، فيبادر كل واحد في التقدم بخطوات متسارعة إلى أخيه الآخر المختلف، ليتعانقا ويعملا جنبا إلى جنب من أجل إعمار هذه الأرض على الصعد كافة، وكذلك على الشرائح الاجتماعية كافة، على مستوى العلماء، والدعاة، والقضاة، والمعلمين، ورجال الأعمال، والتجار، والكُتاب، والمثقفين، والحقوقيين، والمسؤولين كافة. واحتفاؤنا السنوي باليوم الوطني، وهو المناسبة العزيزة على نفوس الجميع، يحتم علينا، كلٌّ من موقعه، تجسيد الحب الحقيقي والواقعي للتعاون والتضامن من أجل تعزيز قيم حقوق الإنسان والمشاركة في بناء كيان وطني وحضاري، أن نسعى كأفراد وجماعات لإجادة العمل وإتقانه، ورفع كفاءتنا المتخصصة علميا وفنيا في جميع المجالات، من أجل إذكاء ذلك الهدف النبيل السامي، وهو خدمة الوطن والمساهمة الحقيقية والناضجة في رفعته وتقدمه.