آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

من يضطهد الرئيس؟!

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

ها نحن نكتشف أن رئيس أكبر وأغنى دولة في العالم، وقائد أقوى جيش عرفته البشرية، يشكو من الظلم الذي يحيق به..!

يقول الرئيس دونالد ترمب، ردّاً على إجراءات الكونغرس الأميركي، البدء بالتحقيق تمهيداً لمحاكمته بشأن طلبه من رئيس أوكرانيا التدخل ضد نجل منافسه جو بايدن، وذلك للتأثير على مسار الانتخابات الأميركية المقبلة، قال ترمب إن هذا التحقيق يمّثل «حملة اضطهاد تافهة».

في «معجم المعاني» «اِضطَهَدَ خَصْمَهُ»: عامَلَهُ مُعامَلَة قاسِيَة، أَي قَهَرَهُ وَجارَ عَلَيْهِ. وفي قاموس «المعجم الوسيط»، «اضطهده»، أي بالغ في إذلاله وظُلْمه وقَهْره.

وشعور الرئيس بالقهر والظلم والاضطهاد، ليس وصفاً عابراً، بلّ هو شعور مستحكم في النفس، قبل أشهر قال عن حملة التحقيق معه بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، إنها هي الأخرى تمثل «حملة اضطهاد سياسي».

الشعور بالظلم لا يفرق بين غني وفقير، وبين حاكم ومحكوم، ف «الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم»، كما أبو الطيب المتنبي... وقد كنا نلجأ إلى كتاب مصطفى حجازي «مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» لنفتش عن الآثار المدمرة للقهر، وكيف تتحرك عجلة القهر لتطحن المقهورين وتصيغ سلوكهم، وكيف يتم تدوير القهر حتى ينتج التخلف الاجتماعي. لكننا كنا نظن أن القهر خبز الفقراء والمعدومين وزاد المهمشين، رغم أن الكتاب كان يقول لنا: «كل صاحب سلطة يمارس التسلط على الشخص الأقل منه، المجتمع كله عبارة عن سلسلة من التسلط غير المنتهية». يقول المؤلف إن «علاقة القهر يكون فيها طرفان، طرف مقهور وطرف متسلط»، لكن من يظن أن في البيت الأبيض رجلاً لا ينام بسبب شعوره بالظلم والاضطهاد؟!

يشعر الرئيس أن السلطة التي منحها الدستور للكونغرس قوية وفاعلة إلى الدرجة التي يشعر معها بالضعف وقلة الحيلة، بل وبالقهر والاضطهاد أيضاً، هذه قوة القانون، وهي قوة ليست غاشمة مهما بدت متوحشة بفعل الصراع السياسي. فسطوة القانون لا مراء فيها ولا مجاملة، على عكس ما كان يتمنى الشاعر عبّاس محمود العقّاد:

إنّا نُريدُ، إذا ما الظُّلمُ حاقَ بِنا

عدلَ الأناسي لا عَدلَ الموازينِ

عَدلُ الموازينِ ظُلمٌ حين تنصِبُها

على المُساواة بينَ الحُرِّ والدُّونِ

ما فَرَّقَت كَفَّة الميزانِ أو عَدَلَت

بَينَ الحُلي وأحجارِ الطَواحينِ

لقد أبدع الروائي الكولومبي الكبير غابريل غارثيا ماركيز، في رسم صورة متناقضة للمتسلط في روايته «خريف البطريرك»، فهو يشعر بنشوة القوة، لكنه في الوقت ذاته يشعر بالضعف والانكسار، يظهر حاجته حتى إلى أمه لتمده بالقوة وتداري ضعفه. في ذروة عجزه يكتب البطريرك خلسة على جدران المراحيض العمومية «أعيش أنا ويموت ضحاياي»... ويشعر بالنشوة حين يتردد صداها من أفواه الجياع والمتسولين على أبواب قصره: «انثر على رؤوسنا ملح العافية سيدي البطريرك». ماركيز هذا يقول: «إذا كنا قد تعلما شيئاً معاً؛ فهو أن الحكمة لا تصل إلا عندما لا يعود لها أي نفع»!