آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

ثقافة التسامح

عبد الرزاق الكوي

اليوم العالمي للتسامح هو يوم دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 الدول الأعضاء إلى الإحتفال به في 16 نوفمبر من كل عام.

قبل هذا الإعلان وهذا القرار الصادر من الأمم المتحدة جاءت رسالة السماء على يد الرسول الأكرم صلى الله عليه واله بالدين السمح والداعي للصلاح وبث روح التسامح والعفو في المجتمع، فكان النبي الأكرم نبراس لهذه الصفة الحميدة في تعامله مع من حوله واتمم هذه المسيرة المظفرة من بعده أهل بيته فقد ملكوا القلوب بتعاملهم السمح وطيب خلقهم، وكذلك هي بقيت الديانات السماوية حثت على هذه الفضيلة الأخلاقية ونبذ الحروب ومحاربة الفتن وارساء قواعد السلام والأمان في المجتمع.

يقول الله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُم.

وفي حكمة قديمة تقول:

﴿عرف الحب من عرف التسامح عرف الله من أحب وتسامح.

فالتسامح هو الحب الذي زرع في القلب وعمت فائدته شرائح المجتمع، يكون فيه التواصل والتلاقي والمعاملة بالحسنى وهو دليل على قوة المجتمع وتماسكه وعدم الخوف عليه، من الفتن الدينية والمذهبية والقبلية والثقافية أو غير ذلك من الاختلافات الكثيرة التي قد تصيب المجتمع.

فالمبدأ الأساس هو ترسيخ واحياء والعمل على ثقافة التسامح فالعمر قصير وبعده حساب عسير لكل من لم يستشعر قلبه الرحمة ويحمل في طيات نفسه هذه الخصلة النبيلة، فالعالم كل ما ابتعد عن المبادئ السماوية والأعراف الدينية تاه في دروب المشاكل والقلق بسب وجود أفراد أخدوا على عاتقهم زرع الحقد والكراهية والعنصرية في مجتمعاتهم، فالعالم اليوم يعج بالحروب وما يأتي بعد الحروب من واقع يسوده البغضاء والكراهية والحقد بين أفراد المجتمع وبين الدول، كل هذا فالعمل على مبدأ التسامح وثقافة قبول الاخر وزرع المحبة في المجتمع في هذا الزمن رغم صعوبة تحقيق ذلك فلابد من العمل الجاد يبدأ من البيت ان نزرع روح التسامح في الاسرة ليتربى جيل يخرج للمجتمع بهذه الخصلة فصحيح سوف يتعب بما يلقاه من حوله وفي بعض الأحيان يستغرب من التنمر ولكن الأصل ان نتربى ونربي على مبدأ مكارم الأخلاق. ويعمل كل فرد على القيام بهذا الواجب لينعكس واقع نعيش به في مجمل حياتنا اليومية، في المدرسة والعمل وفي الشارع والنوادي وأماكن التسوق وقيادة مركباتنا التي أصبحت كأنك داخل حرب شعواء، والمتحاربين هم من بيئة واحده ومنطقة واحدة، أصبحت السمة هي الغضب والعصبية وعدم التسامح.

في رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: ﴿إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تُحب أن يعطيك الله عفوه.

فالإنسانية هي اليوم حاجة ماسة لهذه الخصلة الأخلاقية ان نعمل على إحياءها ان نروض نفوسنا التي تعيش روحا العصبية وتتعامل بالعنف سواء اللفظي او الجسدي، ان نتعامل على مبدأ الأخوة والرفق في التعامل واللطف في التخاطب.

فنشاهد مبدأ التسامح والروح العالية في شخصية الامام علي في حرب الجمل:

﴿اللهم إن هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا علي، ونكثوا بيعتي، اللهم احقن دماء المسلمين.

فقد حاول الامام مع من بغى وجيش الجيوش عليه ظلما وغدرا وانتهاكا ورغب الامام علي ان يتجنب الحرب معهم فأبوا الا الغدر، وبعد حربا طاحنة انتصر فيها الامام فعفى عن كل من بغى عليه وألب الناس للقيام ضده وشن الحرب عليه.

وقد أوصى جيشه قبل اللقاء قائلاًً المتمردين على خلافته الحقه وإمامته المنصوص عليها ﴿لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإن كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم.

قال امام الانسانية والقلب العظيم امير المؤمنين في حق من غدر به وضربه الضربة التي استشهد فيها، فأوصى أبنه الامام الحسن ﴿أرفق ياولدي بأسيرك وارحمه، وأحسن إليه وأشفق عليه.

وفي حرب الإمام علي في صفين منع من الماء من قبل الجيش الأموي ورغم المحاولات الحثيثة من قبل الامام علي بالسماح لجيشه بأخد الماء رفض الجيش المقابل ذلك، ولما استولى جيش الامام علي على الماء رفض ان يعاملهم بالمثل وسمح لهم بورود الماء والاستفادة منه رغم انهم قبل قليل حاولوا التأثير على جيشه وقتل أصحابه عطشا.

في حروب الامام علي اثناء خلافته حيث انتصر في هذه الحروب سامح من غدر وأشعل فتيل الفتن وخالف أوامر الرسول صلى الله عليه واله ان الحرب ضد علي حربا على الرسول صلى الله عليه واله ولا يبغضه الا المنافق وما يحبه الا المؤمن.

هاهو يقول في عهده مخاطباً الأشتر ﴿ولا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله في رضىً، فإن الصلح دعةً لجنودك، وراحةً من همومك وأمنا ً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحة، فإن العدو ربما قارب ليتغفل... وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدةً أو ألبسته منك ذمةً فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة. «1»

أننا اليوم في امس الحاجة الى التسامح الذي تحول إلى عملة نادرة واليوم هو حاجة إنسانية ماسة وضرورية من اجل استمرار الحياة بسلام وامن وطمأنينة في اجواء الاسرة والمجتمع وعلاقاتنا مع اصدقاءنا وجيراننا وجميع علاقاتنا الحياتية واليومية التي تمثل تراث الائمة التي رسخت ودعت الى ان تسود هذه السمة الأخلاقية العليا.

سامح صديقك إن زلت به قدما فلا يسلم إنسان من الزلل

فالتسامح كمبذأ لا يختلف على أهميته أثنان، ومع ذلك في الواقع يكثر فيه التأويل في تفسيره والعمل به على الواقع الكثير فيما يتصل بمضمونه وسبل تقييمه والعمل به بكل رضا وأريحية من الجميع، كمجموعة او فرد نظرة مغايرة لهذا الاسم وما يحتويه من تأويلات كثيرة ومتداخلة تدخل في حقوق الانسان وكرامته وحقه في حياة كريمة دون مصادرة أولوياته.

فالتسامح ليس معناه التنازل عن حق من حقوقك او التنازل عن الثوابت اخد منك ظلم او غصبا وقع بتعمد وأضرار وبشكل متكرر، فالظالم يجب أن يعاقب والقصاص منه من اجل سلامة المجتمع حتى لايستهان بظلم الآخرين ويكثر الظالمين والمظلومين فالتسامح مع الظالمين ليس إلا تشحيعا لاستمرار الشر والظلم وهي من اعظم الخطايا فالمبدأ التسامح ولكن من موقف قوة وليس ضعفا فبعض التسامح يأثم فاعله لما له من آثار شرعية وأثر مدمر على المجتمع.

﴿التسامح مع الدئب يعني فقدان الخروف.

التسامح كلمة جميلة ومعنى من المعاني الفاضلة، تزدهر بها الحياة ويعم فيه السلام، ويشعر فيه بالأمان، اذا كانت هذه الخصلة يعمل بها على نطاق واحد وهذا ما جعل الاختلاف على هذا الاسم، فالتسامح من عدمه يعود لتشخيص من وقع عليه الظلم، فالتجاوزات والمظلوميات في الحياة واردة وفي العالم الحديث حدث ولا حرج، فمن الذي يستحق التسامح معه او اخد موقف من قبل من انتهك حق من حقوقه.

فالرسول صلى الله عليه واله، خير مثل للتسامح والصفح والعفو انه رحمة للعالمين بمكارم اخلاقه، عفى عن من عاداه وشن عليه الحرب الضروس من اول يوم أعلن رسالته حتى يوم فتح مكة سنوات طويلة عانا فيها الرسول صلى الله عليه واله الاذى هو واصحابه، تعرض لمحاولة اغتيال وحوصر هو واصاحبه ثلاثة سنوات في شعاب ابي طالب وعندما انتصر عليهم عفى عنهم وقال اذهبوا فأنتم الطلقاء، وفي المقابل هذا العفو العظيم والأخلاق الرفيعة اهدر النبي صلى الله عليه واله دم بعض المنافقين ومن اقترفوا إساءات للدين او لشخصه المبارك او لصحابته حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة المشرفة،

قال تعالى:

﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون.

فالمنافقين الحقوا الاذى الجسدي والنفسي بالرسول والصحابة عن سابق اصرار وترصد خانوا تعهداتهم واستمروا في غيهم ونشروا الفتن في المجتمع، فحسب نظرته الربانية عفى عن البعض، ولم يتجاوز عن اعمال شنت ضد الدين والاستهزاء به صلى الله عليه واله وبصحابته رضوان الله عليهم.

قال تعالى﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم.

كذلك مظلومية أهل البيت من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وما لاقوا من الظلم والهوان انتقلت سيدة نساء العالمين الى مثواها غاضبة مظلومة داعية على من ظلمها، وفي رواية ان الامام الحسين بكى يوم العاشر من الشهر المحرم في كربلاء ولما سأل عن بكاءه قال ابكي على جيش يدخل النار بقتلي، فالأمر خارج عن صفح وعفو وتسامح الامام الحسين لان هذا القتل قتلا للرسول صلى الله عليه واله وهو القائل ﴿حسين مني وانا من حسين.

اما الواقع الحالي تعيشه فيه الانسانية أوج معاني السلم فلا وجود للمظلومية والعفو يسود المجتمعات فلا مجال للكتابة عنه فالتسامح يعم المعمورة لا يوجد شعبا احتلت ارضه وشرد شعبه، ولا حروبا خربت فيها الأوطان وهجر فيها الانسان في شتى بقاع العالم، فاليوم العالم كقرية صغيرة يمكن ان نسميها القرية الفاضلة يعم فيها الأمن والأمان وطاعة الرحمن، ان تلهج الألسنة حمدا بما قدم الانسان الى الانسان، حبا يتغنى له الشاعر الولهان ان شعوب العالم تنعم اليوم بالأمن والأمان ومن لم يصدق فعليه بوسائل الاعلام تنقل كل يوم ما يفرح الانسان، فلا حروب بعد الان ولا يوجد بيننا طفلا جوعان والجار مع الجار في علاقة على اتمً التمام ولا عائلة تشردت من الأوطان فكلا يتظاهر فرحا اننا نعيش بسلام.

عبدالرزاق الكوي