آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

الخذلان والخيبة... عندما تتجسد بالواقع المجتمعي

سامي آل مرزوق *

كثيراً ما تنتهي العلاقات الإنسانية بين الأشخاص لقطيعة بعد صداقة أو محبة أو تعاون بعمل اجتماعي، وتأتي هذه القطيعة بعد ثقة كبيرة نضعها بالشخص المقابل، ولكن للأسف نتفاجأ بتصرفات وخذلان غريب قد لا يعجبنا فتخيب الآمال المعقودة عليه، وهذا الخذلان يسبب القهر، ويولد ردة الفعل العكسية لدى الطرف الذي يخذلنا، ربما يكون أحد أفراد العائلة أو أخ صديق اجتمعت معه بعمل اجتماعي، او أخت وغير ذلك...

فهذه المواقف الحياتيه التي قد نتعرض إليها كثيراً في حياتنا اليومية، قد تسبب للبعض حالات نفسية، كما إنها حتماً تؤثر في الحياة العملية كذلك، إلا أن الإنسان ليس مجبراً على القبول بعلاقات فاسدة أو مؤذية أو مصلحيه، كل ما يأتي منها فقط، الإحباط أو الأذى النفسي، وهنا لابد أن نقول أن هناك بعض العلاقات قابلة للتغيير ولكنها تحتاج مزيداً من الوقت، فلابد من أعطاء النفس فرصة للتفكير بمن يستحق جهدك ودعمك، وإلا فامض في طريق آخر.

ويُعَرف ارباب اللغة أن الخذلان معناه ترك العون، ويقال خذله لله: أي تخلى عن نصرت صاحبه ومساعدته وإعانته، وكثيراً ما نجد قصص الخذلان بين الأصدقاء في احرج الأوقات.

فبعد أن أوصلت وجهة نظرك، ونقلت مشاعرك، وأوضحت موقفك، ووضعت الحدود، وبينت الشروط، وعملت بكل جهدك للمساعدة والوقوف معهم، ولم يتغير شيء، إذن... الآن عليك مغادرة تلك المحطة، وذلك الشخص، فعليك المضي بالطريق لتبحث عن مكان آخر يُقدرك فيه من يستحق أن يكون قريناً أو صديقاً لك، فعليك أن تُعود نفسك، ألا تستاء كثيراً من بعض البشر الذين تصدمك طبائعهم، فأنت لن تستطيع تغيير الكون، ولكنك قادر على أن تقي نفسك شر الإحباط والخذلان، في حال لم تتخيل أن الجميع أنقياء وأنه بإمكانك العمل مع الجميع.

هي صدمة حقيقية أن تعرف أن الإنسان القادر على مساعدتك هو أول من يخذلك، ويتخلى عنك وأنت تعرف يقيناً أنه يستطيع مساعدتك بكل سهولة ويسر فتكون المفاجأة أن تراه لا يعرفك، وينساك، او يتشاغل عنك، والحقيقة الغريبة أن أول إنسان قد يخطر ببالك عند الحاجة هو الشخص الخطأ دائماً وأبداً.

إن حل المشكلة بنفسك من انجع الحلول للمضي بالطريق، كما أن التوازن في التفكير والهدوء من العناصر المهمة لتخطي حالة الخذلان والإحباط التي مررت بها خلال هذه الفترة، كما أن الاتكال على الله سبحانه وتعالى هو من اسباب النجاح، فإن فك الارتباط بالبشر لن يكون سهلاً، إلا لمن تصدق نيته، ويقرر التخلص من كونه ضحية للخذلان والتخاذل، وبذلك سيمضي في الطريق الصحيح وسيصل لمبتغاه.

إن الخذلان كالخيبة في وقعها بل هي الخيبة وما أعمق خيباتنا حين يأمل ويرتجي المرء من القريب فيصفع بخيبة تلو الخيبة، وتختلف درجا مرارة الخذلان باختلاف المسبب، فالإنسان يعيش مرتبطاً اجتماعياً بمن حوله ويضحي على امل أن تثمر هذه التضحيات، وبعلاقات تضفي على حياته السعادة ومبادلة تضحياته بالتقدير والود والاحترام، ولكن كم هو مؤلم ان نحرج بعد تلك التضحيات ومن اجل تلك العلاقات بالجفاء والصد والجحود.

ما أروع الإحساس بنظرة شخص يقدرك ويحترمك كثيراً لا لأجل مالك، أو جاهك، أو بريق أسمك، بل لشخصيتك على طبيعتها وبساطتها، لذا فأن أكبر المشاكل التي يعاني منها الكثيرين عدم تقدير الذات، إن شعورك بضرورة إرضاء الآخرين ولكي يبادلوك نفس الحب ولاحترام قد يكون لها نتائج سلبية، حيث يشعرك ذلك بالظلم وإنهم يستخدمونك وقت الحاجة ولمصالحهم الشخصية، هنا يجب عليك إلا تنحني للناس في حياتك فقط ليحبوك ويرضوا عنك، تَعَلَم أن تقول لا، فالناس تحبك وتحترمك لم أنت عليه فقط وليس لما تقوم به من اجلهم، عليك أن تكون انانياً في بعض الأحيان، أن أحد الشروط المهمة لتغيير وإكساب شخصية واثقة هو أن تشبع احتياجاتك الخاصة أولاً، فقد تبدو لك الأنانية على السطح ولكن يجب ان نتذكر عندما نبذل قصارى جهدنا لتحقيق أقصى نجاح لأنفسنا نكون في قمة الفائدة لأهلنا وأصدقائنا ومجتمعنا بشكل عام، فالكثير من الناس يتجهون لخدمة الآخرين كوسيلة للفرار من تحمل مسؤولية تغيير حياتهم الشخصية، ولن تستطيع بذلك تغيير العالم، ولكن تستطيع تغيير نفسك. قال تعالى في سورة الرعد آية - 11 - «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ».

فالطريقة الوحيدة التي يمكنك بها أن يتحسن بها الموقف الإنساني، هي أن يتولى كل فرد مسئولية حياته الشخصية، لقد حان الوقت لتوقف كل شيء آخر وتنمح الأولية القصوى الكاملة لاحتياجاتك أولاً فهي السبيل الوحيد للتحرر من القيود.