آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 7:01 م

صناعة الوهم والعقلانية

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

لتطور التعليم دور في تغيير طبيعة المجتمع من الطبيعة المستمعة التي تحسن أن تتلقى المعلومة تمامًا دون محاولة للتحليل أو التأمل إلى مجتمع أكثر عرضًا للمعلومات المتناقلة على ميزان البحث والتدقيق، يعني ذلك أنَّ العلم استطاع أن ينهض بالإنسان عمومًا إلى جهة تجعله أقل تقديسًا للأشخاص وأكثر رفضًا للآراء التي يجدها تنافي عقله، بذلك فإن التمرد على الموروث القيمي ونسبة قد لا تكون قليلة من العادات والتقاليد أصبح سمة بارزة في إنسان هذا العصر، كما أنَّ الوصاية الفكرية أصبحت شيئًا من الماضي، فليس لأحد أن يفرض على آخر أفكاره تحت وطأة «أنا الشيخ، أنا الأب، أنا المدرس القدير» وما هنالك، كل هذه المسميات لا تعني في الغالب حصانة من النقد، أو دافعًا محفزًا للتسليم الأعمى بما يقال، وبذلك استعاض الجيل بقدسية صاحب الكلمة إلى قدسية الدليل والمنطق.

ثمة إشكالية حقيقية تواجه الباحث عن الحقيقة في هذا العصر، ملخصها أنَّ التطور التقني الهائل الذي رافق الإعلام بأشكاله المختلفة امتلك أدوات مذهلة ومؤثرة في صناعة الرأي العام، فالدليل الذي يحتاجه الإنسان لبناء قناعاته أصبح سلعة رخيصة لدى نسبة ربما ليست قليلة من هذه القنوات، من يعتقد أنَّ «الصورة» دليل يمكن التعويل عليه لمعرفة الحقيقة فهو واهم، الصورة ومقاطع الفيديو والتقارير الصحفية كلها أدوات سهلة التحريف ويمكن جدًا حتى للمبتدئين في فنون السينما والإخراج إصدار العشرات منها متى شاؤوا، كل ذلك يجعل الوصول إلى الحقيقة في هذا الزمن أمرًا بالغ الصعوبة، ويبقى السبيل الأكثر ضمانًا لذلك هو اختيار الجهات المحايدة وغير المستفيدة من التلاعب بالمعلومة، والتي تملك تاريخًا يشهد لها بالمصداقية لدى الأطراف المتضادة.

أهمية هكذا أمر هو أنَّ الإنسان يبني قراراته وقناعاته بناءً على معلومات معينة، وحينما تكون هذه المعلومات مغلوطة فإنَّ النتائج - بلا شك - ستكون خاطئة.

يواجه إنسان هذا العصر تحديات فكرية هائلة تتمثل في صعوبة الحصول على المعلومات الصحيحة في كل شيء، فالجهات الإعلامية والمنابر الثقافية التي تتداول المعلومات كثيرة، وفي ظل تطور تقني هائل جعل من الصورة مشهدًا محرفًا أو مبتورًا فإنَّ صناعة الوهم أصبحت حرفة متقنة، كما أنَّ الحقيقة الصافية بقيت كاللؤلؤة التي تحتاج للكثير من الجهد لاستخراجها، كل ذلك ينبغي أن يدفع الإنسان الواعي إلى وضع الكثير من علامات الاستفهام حول مجمل المعلومات المتناقلة وأن يكون أكثر حرصًا على اختيار الجهات المأمونة على الحقائق والمحايدة في الطرح والأكثر قبولًا لدى جميع الأطراف.