آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

المعلمة ”خاطرية“ التي آمنت بالتعليم واعطت للجهل نور

حسن محمد آل ناصر *

في السبعينيات الميلادية لم تكن ثقافة التعلم والدراسة محبذة للأهالي خصوصا البنات، ولم يكن من الاساسيات خوض المرأة مضمار المدارس النظامية فقد كان يقتصر على ذهابهن للمطوعة ”المعلمة“ التي تعلم القرآن الكريم حفظا وتلاوة فقط، دون الحساب والكتابة.

يرجع ذلك للعادات والتقاليد ”البنت مردها بيت زوجها“ أو انها لا تحتاج للعمل ”لا تقارع الرجال“ ورغم مرارة وتكبيل المرأة ومنعها من الدراسة والتعليم إلا انها اثبتت وجودها كحاملة لرسالة عظيمة وهي شهادة التربية والامومة.

هنا يراودني سؤال هل طفولتنا جميلة؟! أم أن تلك الحقبة واهلها من جعلوها بأخلاقهم اكثر جمالا؟! لست اعني بالسؤال بأن الإجابة مفقودة ولكن لحرة وحسرة بالروح لأيام طفولتنا فنجدد الذكريات بهذه الأسئلة، سآخذكم معي لفترة قاسية وحنونه ايام تتزاوج بتركيباتها بالنقيض ولكن مهما يكن فقد خرجت جيل واعي خدم الوطن وكان البذرة الأساس من تطور وانجاز اراح جيلنا الحالي.

نعم التربية والتعليم هما الركن الأكبر في التصدي للجهل والخزعبلات الواهية، وكان ممن تبنى التربية والتعليم في الماضي ليس الرجال فقط ولكن خاض معه وبكل قوة المرأة وقد تكون حينها هي الأكثر اشعاعا من الرجل.

مازالت ذاكرتي رغم مشاغل الحياة لم يغب عنها ذاك الصراخ الأنثوي الطاغي في المكان ”مجلس المعلمة“ حيث يكرر البنات بصوت عال ما تقوله ”المعلمة“ من آيات القرآن المجيد، متتبعات بأصابعهن السبابة الحروف، أجل كانت ”المعلمة“ هي نفسها ”الملاية“ الخطيبة التي يكون لها جماعة من القارئات اللاتي تعلمن على يدها وبعد انجازهن التعليم ”القراءة والخطابة“ تصحبهن معها للعزية ”العادة اليومية“ للقراءة في بيوت الناس.

شخصيتنا خطيبة من الرعيل الأول ورائدة من القطيف ”خاطرية“ اشتهرت بهذا نسبة لعائلتها ”الخاطر“ وقد جرت العادة حين ذاك تسهيلا على معرفة الشخص يطلق بشهرته واكثرهن بالعائلة، وقد ساهمت رحمها الله في صناعة وبناء بنات بلدها من خلال عطائها التعليمي والخطابي الحسيني وتثقيف النساء.

انها ”الملاية“ مريم بنت سلمان حسين الخاطر المولودة في القديح بتاريخ 01/07/1350 هجرية، بدأت تعلمها في سن مبكر عند ”معلمة من الجيل القديم“ أم محمد العبيدان رحمها الله، وقد كانت تبلغ من العمر الثانية عشر حتى سن الخامسة عشر، قرأت وكتبت في فترة وجيزة ولطموحها المتزايد ورغبة منها مواصلة المسير العلمي والمعرفي نالت درجة عالية في الخطابة الحسينية وارتقت بخدمة أهل البيت وخدمة مجتمعها وفتحت لها مكتب تعليم ”غرفة صغيرة“ تعلم فيها حفظ القرآن لمجموعة كبيرة من البنات.

بعد فترة ليست بالطويلة من اتمام تعليمها «ختمها للقرآن» استقلت بتعليم غيرها القراءة في بيتها القريب من حسينية الغزوي غربا ”الفريق الغربي“ وتحديدا مقابل بيت الشويهين جنوبا، وحاليا بعد تخطيط شوارع القديح ”القص“ تحول الى شارع رئيسي بوسط القديح بجانب حسينية المعلم وكان هذا قبل اكثر من اربعين سنه.

لقد استحقت ان تكون من المعلمات الشهيرات في البلد بكل جدارة لما عرف عنها الذكاء الملحوظ والشخصية المميزة، وتملك من الكتب القيمة كمية لا بأس بها، ولها عدة مؤلفات في شأن الحسين واهل بيته ، ومن ”الملايات“ الأكثر طلبا لتعليم البنات وتميزهن ولما انتقلت إلى بيتها الجديد كونت لها مكانا كبيرا في منزلها واصبح الآن ”حسينية نسائية“، زرت تلك الحسينية الواقعة في وسط حي المقيبري المعروفة باسمها ”حسينية خاطرية“ «حسينية الأمام الحجة » بمساحة مئتان وثمانون مترا مربعا تقريبا اوقفتها لإحياء مناسبات أهل البيت وتعليم القرآن.

تزوجت في بداية حياتها من الحاج احمد بن علي الفردان وانجبت ابنه واحدة وتوفي زوجها عند اتمام ابنتها سنتها السادسة ثم تزوجت المرحوم سعود بن عبد الله حسين المرزوق ولها من الأبناء ولدان هما: عبد الله ”ابو علي“ ومحمد ”ابو سعود“ وبنتان، وكل بناتها امتهن مهنتها وسرن على نهجها في خدمة أهل البيت وتعليم القرآن.

توفيت معلمة القرآن في اليوم الأول من شهر القرآن ”رمضان“ في سنة 1429 هـجرية، صائمة قائمة فهنيئا لها حسن الخاتمة ورحمها الله بما اعطت وقدمت وافنت عمرها في طاعة ربها وخدمة آل بيت النبوة .