آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

تخفف من ثقل السواد البغيض!

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

الجو ملبد بكثير من الغيوم السود. لا يمكن لأحد أن يجلي الظلمة التي تستحكم، كلما سقط قلب، أو ضعفت رئة. الكثير من الهواء الثقيل يدخل صدرك، فتشعر به خانقاً، وكأنك ينقصك هذا الملح الذي ينتثر على جروح الجسد والروح، ليذكرك، كم أنت ضئيل أمام لدغته.

تذهب بك الأفكار في كل واد؛ لا العرافات يرشدنك إلى ممر سحري، ولا أحد يعرف أي الطرق تؤدي إلى روما، إن ثمة روما!

لم تعد الدروب تفضي إلى شيء، سوى التيه، الوجع، الاختناق، الكآبة، الضعف، ونوبات الوساوس التي لا تنتهي.

تلك المشاعر التي تنهش أجسادنا والأرواح. هي انفعالات طبيعية، في أوقات عصيبة واستثنائية. فالعدو خفي، لا تعرف من أي زاوية سيطرق خلاياك، ويسكن جسدك.

قبالته؛ ووسط المساربِ الموصدة، إما أن نستلسم، نسقط أمواتاً وأعيننا تحدق ببلادة. نختنق ببطء ووجع في كل ثانية، وتسيل أرواحنا مع كل دمعة ونفس. أو نواجه العدو بشجاعة وبسالة، حتى وإن لم نره.

فايروس كورونا، خفي عن أعين المتوجسين. لكننا، نبصر وجوهنا، ونعرف جيداً أجسادنا، ابتساماتنا، ضحكاتنا، نبرة الحزن أو السعادة التي ألفها أحبتنا وهي تنساب بين الشفتين.

هذه الأرواح والأجساد التي نفقهها، هي ما علينا أن نعمل على إعدادها، لأنها من سنواجه بها الفايروس الخفي. وعليها سيكون عبء المعارك التي يجب ألا نمل من خوضها، حتى وإن أكلنا التعب وأرهقنا ثقل الأيام.

لا طريق إلى الحياة، إلا عبر أن نقوي ذواتنا، أن نمحي من أذهاننا نهائياً خيار الاستسلام، وألا نكون ضعفاء نمتلئ بالخواء التافه.

ليس الأمر بالسهل علينا، ولكنه الواجب يدفعنا إلى تلبية نداء الديمومة، ومعانقة الحياة بأمل لا ينقطع أبداً.

هي ليست ثرثرات من شخص يجلس خلف حاسوبه، ويلقي على القراء النصائح السمجة. ولستُ من دعاة الإيجابية الاعتباطية التي طالما كنت أحد نقادها وخصومها. إنما نحن جميعاً على سطح هذا الكوكب، من سنحدد كيف سنعيش يومنا: وسط بركة من الدموع والحسرة، أو مقاومة مستمرة لا تقف وإن مسها كثيرٌ من الإعياء.

ليس هنالك من مجتمع أو فرد على وجه البسيطة، إلا وخسر، ومر الفقد عليه. البعض من أحبته، وآخرون من مالهم، وظائفهم، استثماراتهم، تجارتهم، أحلامهم، صحتهم الجسدية والذهنية والنفسية. خسائر طالت من يمتلك خزائن الذهب الثقال، ومن خف جيبه فلم يملك قوت يومه. ولذا، لنكف عن الخمول، ولنبدأ في النهوض بذواتنا وعائلاتنا وأحبتنا ومجتمعنا، ولنكن أقوى؛ شامخون كالجبال، قممها تعانق ثلج السماء، والحكمة تنساب من أعلاها دفاقة باردة كسيل يجرف كل من يقف طريقه.

سيلُ القوة هذا، هو الذي سيغسل جروح الجسد والروح. وهو ماء كالجليد، إن لم تمتلك المروءة العالية والصبر، لن تناله، وسيبقى جسدك متسخاً بالأوجاع، وروحك مثقلة بالكدمات، حتى بعد أن يمضي كورونا، وتشرق الشمس التي نحن واثقون من دفئها: أليس الصبح بقريب!