آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

القضاء العمالي شريكا أيضا

أمين محمد الصفار * صحيفة مال الاقتصادية

أولت المملكة القضاء إهتمامًا خاصاً على أكثر من صعيد، والقضاء العمالي بشكله الحالي هو إحدى ثمرات مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء. لقد حظيت بفرصة التعرف عن قرب على جانب من هذا المشروع العظيم، ومازلت احتفظ ببعض الصور الجميلة التي شاهدتها فيه، فلقد رأيت جيلاً جديداً من شبابنا يتولون قيادة فرق العمل وتطوير المشاريع بكل ثقة واقتدار، وساعات عمل يبذلونها لا تنتهي بانتهاء ساعات العمل الرسمية، لقد رأيت بيئة عمل مختلفة عن تلك الصورة النمطية المعروفة.

تتكون المنظمومة العمالية - إضافة للقوة البشرية العاملة وأرباب العمل - من وزارة الموارد البشرية المسؤولة عن نظام العمل، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية المسؤولة عن تأمين الاستقرار المادي والنفسي لمشتركيها، ويشكل القضاء العمالي عبر فصله في القضايا العمالية الساحة الحقيقة لاختبار جودة وفعالية نظام العمل ومدى تكامله مع المنظومة العمالية.

ويرفد القضاء العمالي وزارة الموارد البشرية بكنز من المعلومات الدقيقة والوقائع التي تبين نقاط الضعف ونقاط القوة في نظام العمل والمنظومة العمالية ككل، فهو ليس أداة للفصل في النزاعات العمالية فقط، بل هو أيضا أحد أهم مؤشرات الأداء «KPI».

في القطاع الخاص هناك ظاهرة وهي زهد بعض المؤسسات والشركات في الاستثمار في المعرفة القانونية: كتوظيف موظف قانوني متخصص يتولى الشؤون القانونية أو حتى بالتعاقد مع المكاتب القانونية تدعم هذه الشركات بالمشورة القانونية، لذا فمن حقنا أن نتسأل هنا: كيف يمكن الاتكاء على فرضية سهولة تكوين الموظف لثقافة قانونية مناسبة وكافية للمطالبة بحقوقه لدى رب العمل غير الملتزم فضلاً عن أن تمكنه من الترافع لدى القضاء عندما يكون الموظف في اضعف حالاته!

لقد منح تطبيق نظام العمل «الجديد» مرونة لأرباب العمل في إنهاء خدمات العمال فرادى وجماعات سواء بسبب ”مشروع“ أو غير مشروع مما جعل خروجهم عن قوة العمل - وفي الظروف العادية - يظهر على شكل موجات بعضها خلف بعض، وظهر تدفق هذه الموجات على صورة قضايا وشكاوى عمالية مثلت تحدياً كبيراً لجسم القضاء العمالي، الذي تحول من أخر محطة للفصل في النزاعات العمالية الى أول محطة للفصل فيها، وهو مازال يشق طريقه نحو التطور التكامل.

أن مفاهيم الإدارة الحديثة مثل: إدارة الجودة وكذلك إدارة المخاطر وتطبيقاتهما تقوم على فلسفة الحماية الوقائية الواجبة قبل وقوع المخاطر أو التحديات التي قد تخدش أو تؤثر سلباً على الأداء، فإتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية إمكانيات القضاء العمالي هي احد التطبيقات التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال. ولقد كان تصريح معالي وزير العدل مؤخراً بشأن أهمية تطبيق مفهوم القضاء الوقائي «Preventive Justice» هو في نفس هذا السياق وأن اختلفت المسميات، فالعدالة الوقائية - كما نفهمها - هي الإجراءات التي يمكن تطبيقها للحد من نشوء نزاعات أو معالجتها بعدالة قبل الوصول الى المرحلة الأخيرة وهي التقاضي بين الخصوم، أي أنها آليات تتطلب تطوير وتطبيق الأنظمة والإجراءات لتكون جزءً منها لضمان عدم نشوء نزاعات بين الأطراف ذات العلاقة، وضمان قدرة نظام العمل على المعالجة وتقنين النزاعات العمالية.

أن القضاء العمالي شريكاً في المنظومة العمالية وأن درجة التنسيق والتكامل بين مفردات هذه المنظومة يؤثر سلباً وإيجابياً بنفس المقدار ومهما كانت الجهود ودرجة تطور القضاء العمالي، كما تطبيق مفاهيم إدارة الجودة وإدارة المخاطر وما اسماها معالي الوزير بالعدالة الوقائية للقضاء العمالي يتطلب مراجعة وتطوير نظام العمل ونظام التأمينات وتحقيق درجة مقبولة من التكامل بينهما تضمن تفعيل العدالة الوقائية وبالتالي وصول النزاعات العمالية فقط تلك التي عجز عنها نظام العمل ولا يمكن أن تعالج بعدالة إلا عبر القضاء العمالي فقط.