آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:40 م

هل الحصول على الشهادة يعني الثقافة؟ وهل العلم والتعلم يتوقف على حصول الشهادة؟

هنالك أسئلة مهمة وهي: هل حمل الشهادة يدل على الثقافة؟ وهل العلم والتعلم يتوقف على حصول الشهادة بحيث نقول أن فلان الجامعي أعلم من فلان غير الجامعي والسبب في ذلك عدم حمله للشهادة؟

وهل الشهادة هي الغاية الأسمى؟

نجيب على هذه الأسئلة وذلك في عدة نقاط:

النقطة الأولى:

بالنسبة لتعريف المثقف، للمثقف عدة تعريفات وننقل لكم أحد الآراء التي نقلها الشيخ حيدر حب الله في أحد مقالاته وبحسب نقله أنه ما تزال هناك نظريات في تعريفه، فكلٌّ يقدّم رؤيةً نابعةً من طريقة تفكيره ومعالجته للأمور. وقال أيضاً أن له عدة عناصر أحد عناصره:

الوعي التجربي والميداني.

وقال:

وهذا هو الذي يميِّز المثقَّف أيضاً عن المتعلِّم، فليس كلّ متعلِّم مثقَّفاً وليست النسبة بين المتعلِّم والمثقَّف هي نسبة التساوي بحسب الاصطلاح المنطقي. فهناك مثقَّف متعلِّم؛ وهناك مثقَّف غير متعلِّم، ولا يملك أيّة شهادة جامعيّة؛ كما وهناك متعلِّم مثقَّف؛ وهناك متعلِّم لا حظّ له من الثقافة.

وهذا معناه أنّ الثقافة ليست مراكمة معلومات، وليست درساً تخصّصياً ندرسه في جامعة أكاديمية أو حوزة أو صرح علمي هنا أو هناك، وإنّما هي قبل كلّ شيء وعيٌ وأفقٌ، كأنه وعي تجربي ينبع من إتصال الإنسان بالواقع.

فهناك أشخاص كثيرون ربما يكونون في العلم صروحاً بأنفسهم، ولكنك إذا جئت بهم إلى أرض الواقع لكي يقرأوا الأمور، أو جئت بهم لكي يدرسوا الأمور دراسةً شاملةً واعيةً، فإنك تجدهم غير قادرين على ذلك.

دعوني أقرِّب الأمر بشكل مبسَّط عبر موضوعة فقه النظرية والفقه التجزيئي. فهناك الكثير من الفقهاء بارعون وممتازون في الفقه التجزيئي أو فقه المسائل، فإذا أنتَ أعطيته أيّة مسألة فقهية بإمكانه أن يعالجها معالجةً علميةً تفصيليةً، لكنّكَ إذا قلتَ له: نريد منكم مولانا أن تقدّموا نظريةً في فقه الاقتصاد في الإسلام فإنه يجد الأمر صعباً. إنه مجتهد مسألة، ولكنه ليس مجتهد نظرية.

الوعي عبارة عن أفق رحب في العقل، يستطيع من خلاله أن يقرأ الأمور، ويملك بُعد النظر، وليس فقط أن يراكم المعلومات في ذهنه، بحيث يملك معلومةً أو اثنتين أو ثلاث أو أربع أو أكثر من ذلك. وهذا كلّه يعني أنّ أهم عنصر من عناصر المثقَّف  خاصّةً في تجربتنا الإسلامية في القرنين الأخيرين ، أو لا أقل ما يدّعى أنه مثقَّف، هو عنصر الوعي والأفق العقلي المنفتح على قضايا العصر، وعلى قضايا الواقع، وعلى قضايا الإنسان، والذي يقدر على توظيف الفكر في خدمة الإسلام، وعلى أن يعيد تشكيل عناصر المعرفة بما يقدّم الأمة الإسلامية نحو الأمام. [1]  

النتيجة المتحصلة بالنسبة لما نقله الشيخ حيدر حب الله: أن ليس كل متعلم مثقف بحيث أنه وضح ذلك. وهذا رد واضح صريح على من يقول بأن كل متعلم مثقف.

وهنالك تعريفات للثقافة بشكل عام وهنالك تعريفات خاصة للثقافة الإسلامية بشكل خاص وللمثقف من ناحية أخرى تعريفات خاصة بها تختلف عن تعريفات الثقافة كما ذهب له البعض وسأنقل لكم بعض تعريفات الثقافة بشكل عام كبداية:

1 - جاء في معاجم اللغة أن الثقافة في التعريف اللغوي: من الفعل الثلاثي ثقف الشيء ثقفا: أي حذقه ورجل ثقْفٌ وثقٍفٌ: حاذق فهم فالثقافة إذا هي: الحذق والإحاطة وسرعة التعلم والتسوية والتقويم والإصلاح. [2]  

2 - الثقافة كما عرفها الدكتور حامد عمار: جملة الأفكار والمعارف والمعاني والقيم والرموز والمشاعر والانفعالات والوجدانيات التي تحكم حياة المجتمع في علاقاته مع الطبيعة والمادة وفي علاقات أفراده ببعضهم وبغيرهم من المجتمعات. [3]  

3 - الثقافة كما عرفها د. عبدالكريم بكار: مجموع العناصر والمؤثرات التي تطبع سلوك الفرد وتوجهه بطريقة لا شعورية أو مجموعة المعارف المتوفرة لدى فرد أو مجتمع [4]  

وهنالك تعريفات للثقافة لدى الغرب وكما يقول ”كوبر وكلايكون أن الثقافة مصطلح عُرف ب 150 تعريفا“ نذكر أبرزها:

1 - الثقافة كما عرفها فرانز بواس: الثقافة تتضمن كل مظاهر العادات الاجتماعية في المجتمع المحلي واستجابات الأفراد نتيجة لعادات الجماعات التي يعيشون فيها. [5]  

2 - الثقافة كما عرفها لاري ساموفاز وريتشارد بورتر: التكوين المعرفي التراكمي الذي يتألف من القيم والسلوكيات المكتسبة من مجموعات كبيرة بين الناس. [6]  

3 - الثقافة كما عرفها روبرت ستيد:

ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه كأعضاء مجتمع. [7]  

ويتضح من خلال التعريفات السابقة سواء كانت عربية أم غريبة أن الثقافة أمر يختلف عن العلم وبالتالي ليس كل من ملك شهادة أو علماً كان مثقفاً.

وبالرغم أننا نقلنا تعريفات الثقافة لكن لا يمنع أن ننقل أيضًا التعريفات التي جاءت خصيصاً بتعريف مصطلح المثقف:

1 - المثقف كما عرفه الدكتور عبدالكريم بكار: المثقف هو من يملك رؤية نقدية وإصلاحية خاصة، ووعياً خاصاً بمجتمعه والعالم من حوله. [8]  

2 - المثقف كما عرفه الدكتور محمد عابد الجابري: المثقف هو ضمير الأمة والناقد الاجتماعي، وفي تعريف آخر: المثقف هو كائن فردي له وعي خاص ورأي خاص ورؤية للعالم خاصة. [9]  

3 - المثقف كما عرفه علي حرب: المثقف هو الذي يصنع المعرفة أو يخلق واقعاً فكرياً جديداً بإنتاج أفكار جديدة أو بتغيير نماذج التفكير، أو بابتكار ممارسات فكرية جديدة، أو بإعادة ابتكار الأفكار القديمة على أرض الممارسة وفي أتون التجربة والعمل على ذلك كوسيط في المجتمع. [10]   [11]  

من خلال التعريفات السابقة للمثقف ينكشف لنا بوضوح أن المثقف يختلف عن المتعلم وأن ليس كل متعلماً او صاحب شهادة مثقفاً.

النقطة الثانية:

من المعروف أن من المراجع العظام من لا يملكون شهادات جامعية لكن نرى أن لديهم إحاطة كبيرة بعلوم كثيرة ويديرون العباد والبلاد من دون الشهادة الجامعية وهذا يدل على أن المعيار ليس بالشهادات، لكن البعض قد يستشكل بقوله: كيف تقولون بأن المراجع العظام ليس لديهم شهادة ومن ناحية أخرى نرى أن أهل الخبرة في مجالهم يشهدون لهم بالأعلمية وإن كانوا لم يحصلوا على وثيقة رسمية من الجامعة وبالتالي هذا يدل على أن حمل الشهادة هي الغاية الأسمى.

بالنسبة لهذه القضية نقول:

أولا: الواضح لا يوضح فبحسب السياق يتضح أننا نعني أنهم لا يملكون شهادات ”جامعية أكاديمية“ كشهادة البكالريوس مثلاً التي قد يحصل عليها من كان يسعى لها في 4 أو 5 سنوات. حيث أن الكثير للأسف بعد حصوله على الشهادة يتوقف في مسيرته العلمية. ومن ناحية أخرى نرى من يسعى في طلب العلم من المهد إلى اللحد دون الحصول على هذه الشهادة الجامعية الأكاديمية كالمراجع العظام الذي يقضي بعضهم في مسيرة العلم والتعلم والتعليم أكثر من 80 سنة.

ثانياً: هنالك قضية مهمة يُعبر عنها بالدلالة عند المناطقة «أهل المنطق» ويمكن تعريف الدلالة بأنها: فهم أمر من أمر.

وللدلالة عدة أقسام منها:

الدلالة الإلتزامية «و هي محل الشاهد»: وهي دلالة اللفظ على معنى ملازم للمعنى الذي وضع له كدلالة لفظ «حاتم» هنا «حاتم الطائي» وإنما يراد وصف زيد من الناس بالكرم الملازم لحاتم الطائي.

فكلمة «حاتم» هنا استعملت في المعنى الملازم «وهو الكرم» للمعنى الذي وضع له اللفظ «وهو حاتم الطائي».

شرط الدلالة الإلتزامية:

يشترط في استعمال الألفاظ للدلالة الإلتزامية أن يكون السامع عالماً بالملازمة بين المعنى الذي وضع له اللفظ وبين المعنى الملازم له الذي استعمل فيه اللفظ.

وبناءًا على ما ذكرناه 👆🏻

نقول: أن لفظة الشهادة دلالة إلالتزامية تفيد أن المقصود هو ”الشهادة الجامعية الأكاديمية“، والدليل على ذلك ما ورد في الشرط الذي ذكره المناطقة «و الذي أوردناه سابقاً👆🏻» وهو:

أن يكون السامع عالماً بالملازمة بين المعنى الذي وضع له اللفظ وبين المعنى الملازم له الذي استعمل فيه اللفظ.

حيث أننا نعلم أن المستمع يعلم أن المراد من ”عدم حمل المراجع للشهادة“ يعني الشهادة الجامعية الأكاديمية وذلك بالملازمة بين المعنى الذي وضع له اللفظ وبين المعنى الملازم له الذي استعمل فيه اللفظ.

وأيضاً بناءًا على ما ذكر نبين أن هنالك الكثير من الألفاظ تطلق من باب الدلالة الإلتزامية: فعندما نقول علي بن أبي طالب أسد الله وأسد رسول ﷺ ليس المراد من ذلك أن شخصية علي ومقامه كما وصف ❗❗. وإنما المقصود وصفه بأنه شجاعٌ وإنه لا تأخذه في شريعة الله عز وجل ورسوله ﷺ لومة لائم. لأن المستمع عارفاً لذلك المعنى بالتالي تكون الدلالة الإلتزامية صحيحة.

ومن هذا الباب لم نجد أحد من أهل الفضل والمنطق يقول بأن المراد ”من عدم حمل المراجع العظام للشهادات“ ليس واضحاً وأن المراد ليس مفهوماً، وإنما الشهادة المقصودة هي الأكاديمية، وذلك لأن الأمر واضح جداً وضوح الشمس في النهار.

وبالنتيجة نقول إننا عندما نضع المراجع العظام كمثال نريد أن نبين من خلال سيرتهم العلمية أن العلم لا ينحصر في الشهادة التي قد تستغرق من حياة الإنسان بضع سنوات.

وأن المسيرة العلمية ينبغي أن لا تتوقف بعد الحصول على الشهادة وكأن الشهادة هي الغاية القصوى.

وجاء في الرواية الشريفة: ”اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد“ [12]  

وفي الحديث إشارة إلى أنّ طلب العلم لا يختصّ بزمانٍ معين دون زمانٍ، بل ينبغي طلب العلم في كل زمان.

النقطة الأخيرة:

ما ذكرناه لا يعني أننا ضد حمل الشهادة بل على عكس ذلك فنحن نشجع على العلم ودخول الجامعات والحصول على أعلى الشهادات، ومن حق أي شخص أن يفتخر بالشهادة وهذا لم نعترض عليه أساساً.

وإنما المراد من ذلك بيان أن العلم والتعلم مطلوب لذاته لا لأجل السمعة أو الوظيفة فقط بحيث بعد ذلك يُهمل العلم والتعلم بسبب الحصول على الوظيفة مثلاً. وأن الإنسان ينبغي عليه أن يسعى إلى الحكمة والمعرفة والعلوم بشتى السُبل.

وجاء عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: الغُدُوُّ وَالرَّواحُ في تَعَلُّمِ العِلمِ أفضَلُ عِندَ اللّهِ مِنَ الجِهادِ في سَبيلِ اللّهِ عز وجل. [13]  

أخيرا العصمة لأهلها ونحن لا ندعي العصمة فيما نكتب أو نقول قال تعالى عز وجل: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة يوسف 53]

أسأل الله لي ولكم العفو والمغفرة وبراءة الذمة وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.


[1]  مقالة بعنوان: إشكاليّة العلاقة بين المثقَّف والفقيه جولة عابرة في سياقات تجربة السيد الصدر أنموذج، من موقع: الصراط نهج السعادة والتقدم.
[2]  الوجيز،، لسان العرب
[3]  في فلسفة الثقافة
[4]  رسالة في الطريق إلى ثقافتنا
[5]  في فلسفة الثقافة
[6]  دراسات في الاتصال الثقافي
[7]  مجلة الهلال 12/ 2003 العدد 112
[8]  مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي
[9]  المثقفون في الحضارة العربية
[10]  أوهام النخبة أو نقد المثقف
[11]  و يمكن الرجوع لهذه المعلومات السابقة كلها حول الثقافة والمثقف باستثناء ما ورد من الشيخ حب الله إلى كتاب: صناعة الثقافة للمؤلف: الدكتور طارق السويدان، والأستاذ فيصل باشراحيل
[12]  تفسير القمي، ج 2، ص 401، كشف الظنون لحاجي خليفة، ج 1، ص 78.
[13]  الفردوس: ج 3 ص 109