آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:16 م

اقتصاد ما بعد كورونا «10»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

بقاء الشركات رهن بربحيتها، ونموها رهن بربحيتها المتصاعدة. في نهاية المطاف هذا ”البقاء“، وهذا ”النمو“ هو ما سيميز بين اقتصاد ما قبل وما بعد كورونا، ويعيد رسم سحنته وقسماته، فشركات ستقضي، وتخرج من السوق ومعها علاماتها التجارية ورؤساؤها التنفيذيوين وموظفوها، وأخرى ستراوح مكانها على الحد الفاصل بين الحياة والموت، وثالثة ستنمو وتترعرع.

وهكذا، فالإصرار على استمرارية هيكلية الأسواق، والإبقاء عليها يعني إضاعة المال وتفويت الفرص، فبعد كورونا لا ينبغي أن يكون خروج أو بقاء المنشآت في السوق بسبب ”تنفس اصطناعي“، بل للقدرة الذاتية لتلك المنشآت على الاستمرار. وهذا لا يتناقض مع الاتجاه الذي اتخذته دول عديدة لدعم منشآتها، ولا سيما المتوسطة والصغيرة حتى تستطيع الاستمرار، من خلال تقديم الدعم المباشر على شكل قروض وتسهيلات وتغطية أجور الموظفين أو جزء منها. لكن ذلك الدعم مؤقت وغير قابل للاستمرار، والسبب أن جل الدول اقترضت أموالا لتغطية برامج التخفيف تلك، أو استخدمت أموالا لمشاريع بنية تحتية أو خدماتية. فمثلا، نتيجة لما قدمته بريطانيا للسيطرة على تبعات كورونا، زاد دينها السيادي ليتجاوز قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر غير مسبوق منذ 57 عاما، بسبب ارتفاع إنفاق الحكومة في مايو 50 في المائة، وتراجع إيرادات الخزانة هناك 28 في المائة.

وعند التمعن، وباستخدام ”عدسة“ اقتصادية، في دوافع الدول لتقديم العون الكبير باستخدام المال العام، نجد أن أبرزها، الحد من انكماش الاقتصاد حتى يعاود نموه في أسرع وقت، خوفا من تلف آلته الإنتاجية نتيجة لتهتك شبكات التعاقدات والمصالح، وبالتالي تقلص مبيعات الشركات، بما سيدفعها للتوقف عن استهلاك مدخلات الإنتاج، وبالتالي السعي للتحلل من تعاقداتها جزئيا أو كليا، بما فيها علاقاتها مع موظفيها. وهكذا، فالعائد على استثمار الدول في مبادأة تداعيات كورونا الاقتصادية تحدده سرعة العودة للنمو، أو على أقل تقدير العودة للنقطة ذاتها التي كان عندها الاقتصاد «من حيث الأداء وليس الهيكل» ساعة اجتياح كورونا.

وعند ارتداء العدسة الاقتصادية ذاتها، لكن هذه المرة بتوجيهها نحو الأفق، سيتضح أن ثمة أنشطة، وبالتالي شركات إما سيمتد الأمد بها طويلا حتى تعاود، أو حتى أن تلك المعاودة مستحيلة في المستقبل المنظور، وقائمة تلك الأنشطة ممتدة. ففي الطيران، نجد أن الشركة تلو الأخرى تستغني عن شرائح متتالية من موظفيها بل وحتى طائراتها، بما في ذلك الشركات المتصدرة مثل، الإماراتية ولوفتهانزا، والبريطانية، فالتراجع المتوقع لنشاط الطيران يقدر بنحو 314 مليار دولار في 2020، أي بتراجع قدره 54 في المائة. والتبعات واضحة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى