آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

اقتصاد ما بعد كورونا «18»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

تتعدد طرق دفع الاقتصاد إلى النمو، لكن التحديات التي سبقت الإشارة إليها، ومنها كورونا وتراجع إيرادات الخزانة العامة، تحد من حيز الخيارات التي بمقدورها تسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفي الوقت نفسه تجمع بين، «1» إفاقة الاستهلاك. و«2» تقنين الإنفاق العام. كل ذلك يشير إلى سلوك طريق غير تقليدي، يرتكز على علاج الأسواق، ولا أقول إصلاحها. وعلى وجه التحديد فإن وضع لافتة ”علاج الأسواق أولا“ كعنوان رئيس لحفز النمو، يعني، جعل الحوكمة آلة حاسمة وناجزة تردع الممارسات غير التنافسية والتجاوزات النظامية، بما يدفع محركات النمو بعيدا عن سطوة الريع والفساد والاستئثار بالفرص، لتتجه إلى الإنتاج والنزاهة، وحماية الحق في دخول المتنافسين للسوق والخروج منها، ويحد من سطوة المنشآت الكبرى بما يصون المنافسة للصغير والكبير ويحمي حقوق المستهلكين.

وعلاج الأسواق هو إجراء تنظيمي بحت، لا يتطلب زيادة الإنفاق العام الرأسمالي أو حتى إنفاقا جاريا ذي بال، حيث إنه يقوم على مراجعة وإعادة هيكلة واستحداث سياسات تنظيم الأسواق ومراقبتها للتأكد من الالتزام بها، بما في ذلك ترتيبات حماية المنافسة، ولا يخلو الأمر كذلك من تفحص الكفاءة الداخلية للجهات المنظمة regulators، وإن كان الأمر يستوجب تداخلات حتى تقوم بوظيفتها حرجة الأهمية بكفاءة واقتدار.

ومتانة الأسواق ليست أمرا هامشيا، فآدم سمث عندما تناول تأثير ”اليد الخفية“ فقد كان يقصد توازن الأسواق، فضلا عن أن الدراسات الاقتصادية المعاصرة، ولا سيما تلك المختصة باقتصادات الدول النامية، قد بينت أهمية وضع سياسات عامة توجد الظروف والمناخ لخفض تكاليف ممارسة الأعمال، بالتالي ”تكلفة الصفقة“، بما يؤدي إلى رفع كفاءة الأسواق، وتحسين أداء الاقتصاد، بالتالي نموه. والحوكمة الجالبة لمتانة السوق تتطلب، 1. اجتراح سياسات ملائمة لتحسين أداء الأسواق ضمن سمت وسياق متسقين. 2. امتلاك الجهات المشرفة على تنظيم الأسواق قدرات فنية لحوكمة تنفيذ سياسات اقتصاد السوق، كشرط سابق ومتطلب ضروري التحقق لجعل اقتصادنا ينمو نتيجة لتحسن الكفاءة الداخلية لأسواقه. فالسوق المعتلة - في أي اقتصاد وفي أي دولة - لا تقوم بوظيفتها الأساس، وهي التوازن عند تقاطع العرض والطلب، بل يكون توازنها بيد قوى سواهما. فإن كانت السوق مبتلاة - مثلا - بالاحتكار، فكيف تتوازن بفعل العرض والطلب؟ ومع فشلها في التوازن يتلاشى انطباق جل المفاهيم الاقتصادية، فتتدنى الكفاءة الداخلية نتيجة عدم قدرة الجهة المكلفة بتنظيم السوق أن تنظمها فعلا. وهذا خلل فادح، وإلا فما وظيفة الجهات المنظمة للأسواق، وما القيمة التي تجلبها للاقتصاد إن لم تحوكم المنافسة بصرامة تؤدي إلى موازنة العرض والطلب بأن تصنع للمنتجين - وإن كانوا قلة - بيئة تحاكي سوقا تنافسية؟! «يتبع».

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى