آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

لماذا بقيت قضية الحسين (ع) منذ استشهاده إلى يومنا هذا؟

سهام طاهر البوشاجع *

لم يكن الحسين أفضل من جده محمد عليه الصلاة والسلام ولا من أبيه الإمام علي ولا من أمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله ولا من أخيه الإمام الحسن عليهما السلام، وهذا ما صرح به في قوله يوم كربلاء: «جدي خير مني وأبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكلّ مسلم برسول الله أسوة» [1] .

ومع ذلك ظلت قضيته التي تكاملت حلقاتها بمقتله، باقية تتجدد في كل عام، وكأنها الشمس التي تغيب في المساء وتشق خيوط الفجر وتبدده بظهورها في أول النهار، لم تكن معركة كربلاء مجرد معركة بين طرفين، أحدهما على الحق والآخر يشار إليه بأنه العدو أو من الأشرار، بل جسدت وأسهمت في غرس الكثير من قيم الحياة ومبادئها كالحب والإيثار والقوة والعزة والكرامة والنصرة والغلبة والأمانة والعطف والأخوة، وغيرها مما وجدت لها أرضًا خصبة امتدت تكاملا يوماً بعد يوم وعامًا بعد عام، تحيا في نفوس من يستذكرها ويتأملها ويعتبر منها.

قضية الحسين صدح بها المئات من المشائخ والمفكرين ورجال الدين وعلماء الإسلام، وركزوا على طريقة غرس تلك المبادئ، باستراتيجيات تناسب كل عصر وكل زمان فزمان 62 هـ أي بعد سنة من مقتل الحسين يختلف عن زمان 70 هـ بعد مقتله الشريف، وذاك الزمان يختلف كثيراً عن زمان 1442 هـ الذي نعيشه اليوم والذي سيكون مغايراً تماما عن الأعوام القادمة والأزمنة اللاحقة لزماننا هذا، لأنه إن كانت الأرض تدور ويدور كل من عليها ويتغير تبقى كربلاء هي الأرض التي تدور وتدور إلى أن يأذن الله لها أن تتوقف عن الدوران دون أن تتغير ملامحها التعبيرية المجازية في نقل وتوسعة أثر القضية الحسينية إلى العالم أجمع. فالعصور والأزمنة التي تتغير هي التي تتحرك باتجاه التغيير بينما تبقى المبادئ والقيم ثابتة، ترسو في النفوس كالسفن في مراسيها على اليابسة التي تجد فيها الأمن والأمان لها من شر القراصنة الفكرية أو المذهبية أو حتى النفسية على مستوى النفس الفسيولوجية.

نعم فالمبادئ التي وجدت لها مأمن تربو فيه وتنبت فيه نباتًا حسنًا داخل النفوس والأرواح البشرية، تحدث فرقاً كبيرًا في التصور والشعور ومن ثم تحدث صورًا مختلفة كصور قضية الحسين ، تلك القضية صُنفت بأنها من أكبر القضايا الاجتماعية والدينية تأثيرا على مر العصور والتي تناسجت أحداثها وآثارها مع كل الأجيال وإن اختلفت أمزجتها وطريقة تفكيرها وحتى مظهرها إلا أن الشيء الوحيد الذي لم يختلف وحافظت عليه القضية هو حرارة القلوب ولهيب الأفئدة والدمعة الغزيرة، التي لم تتغير ولم تتبدل في كل زمان ومكان وعصر من العصور؛ فالجانب العاطفي المؤلم في تلك القضية لا يستطيع أن يربو بطرق حديثة ويتزامن مع معطيات التقدم والعصرنة؛ لأنه ببساطة تبقى الدمعة واللوعة هي الدمعة ذاتها التي ذرفت من أول عين بشرية خلقها الله تعالى على البسيطة، إلى الدمعة التي تذرف هذا اليوم لم تختلف «ماء وملح» و«حرارة وألم».

إن قضية الإمام الحسين هي قضية إلهية تعامل معها النبي محمد ﷺ، وكذلك الإمام علي منذ ولادة الحسين وحتى قبل أن تدار معركة كربلاء في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، إذ أعدوا لها العدة العددية من الرجال والنساء المشاركين فيها، وكذلك العدة النفسية والتهيئة للفقد والحزن والصبر على مجازر وصور بشعة، تتوزع فيها الأجساد، وتنفصل فيها الرؤوس، وتعلق على الأسنة والرماح، ويقاد فيها الحي والميت على حد سواء، في صور أقسى من القسوة التي تعرف في كتب الجامعات وتدرس في مجلدات علوم النفس والاجتماع.

استشهد الإمام الحسين في معركة كربلاء منتصرا وإنما بقيت قضيته المباركة إلى يومنا بفضل عناصر عدة ومكتسبات كثر وستبقى لغير أيامنا هذه خالدة ما ظلت البشرية متمسكة بالوعي والفكر، مؤمنة بأن تكامل الإنسان إنما هو حركة ديناميكية من علم وحضارة ومبادئ وقيم وأخلاقيات وإنسانية، فالقارئ لها يدرك صدق ما يقال ويكتب عنها ويشعر بها، وما تغنت الشعراء بها جزافاً وما سطرت لها الملاحم اعتباطاً ولا سخرت لها الأقلام وألفت فيها الكتب هكذا دون وعي وإدراك، لعظم ما جاء فيها، وأهمية ما بذرته من بدايتها وحتى نهايتها في ساحة المعركة التي انقضت في سويعات قليلة وبقيت آثارها ممتدة.

وهكذا تبقى القضية خالدة ما خلد الدهر وبقي.

 

[1]  العوالم الإمام الحسين: ص 246.
كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز