آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

السيد عدنان العوامي بين التحقيق والتدقيق

قيس آل مهنا *

مقدمة:

عرفته قبل أن أراه، أديبا لا يبارى وشاعر لا يجارى، وذلك من خلال قصيدته التي مطلعها:

عجبا تتخذ الصل صديقا *** ثم تبكي عهده البر الوثيقا

المنشورة آنذاك في جريدة الأيام البحرينية، والتي احدثت صدى مدويا في وقتها، ولكننا لم نلتق به الا ونحن في ايام الدراسة الجامعية ومع أولى محاولات كتابتنا الشعرية حيث كنا نعرض عليه بضاعتنا المزجاة فيتقبلها بالاستحسان أحيانا، أو يردها بالتصويب أحيانا أخرى، وذلك بمعية المرحوم الاستاذ محمد رضي الشماسي، فكانا ممن يأخذ بيدك ويشد عضدك بكل تواضع ورحابة صدر.

واخذ التواصل بين مد وجزر بحسب ظروف الدراسة وما بعدها، الا أن هناك بعض اللقيا في المناسبات الدينية والاجتماعية، والمتابعة الحثيثة لمقالاته وتحقيقاته ومنجزاته والتي توجت بالتكريم الرائع الذي اقيم في صالة المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز أثر صدور تحقيق ديوان أبي البحر الخطي في العام 2006م.

شاعريته:

وشاعريته، لا يختلف اثنان عليها، فهو بحق شاعر مجلي واديب بارع وإن كان لم يصدر له سوى ديوانين وبينهما فترة زمنية ليست بالقصيرة، إلا أن لديه الكثير مما لم ينشر أو يطبع، وقد تطرق في شعره لموضوعات متنوعة وشاملة مما يدل علي المام كبير وشاعرية خصبة.

ولست في معرض الحديث عن شاعريته، فقد كفانا الشعراء والأدباء والكتاب على اختلاف شهرتهم عناء ذلك، أمثال المرحوم الدكتور غازي القصيبي، والمرحوم الأستاذ محمد رضي الشماسي، والكاتب الكبير سعد البواردي وغيرهم.

ولكن حديثي سيكون موجها عن مجاله في التحقيق وما وضعه من أثر كبير يستحق التقدير.

التحقيق:

ويمكن استخلاص طريقته في التحقيق بما اورده في مقدمة تحقيقه لديوان أبي البحر الخطي حيث جعلها كالاتي:

1 - تضمين ابيات وقصائد لم يتضمنها الديوان المطبوع.

2 - الميل إلي الترتيب الموضوعي دون الترتيب الهجائي، وربما اختار ذلك لسهولة لتتبع الموضوعات بعينها.

3 - الزيادة في تقسيم الأبواب بما اوجبته الضرورة، كالدوبيت والوصف والحنين وغيرها.

4 - اضافة باب خاص بالشعر المنسوب للشاعر مما لم يرد في الديوان المطبوع ولا في المخطوطات سواء ما ورد منه في المصادر، أو ما سمعته دائرا على ألسنة الأدباء القطيفيين.

5 - اعادة الأبيات الشاذة عن موضعها إلى اصولها حفاظا على نسق القصيدة.

6 - العناية الخاصة بالأبيات التي سُبق الشاعر إلى معانيها، فاثبتها مشيرا إلى مضانها، وهذه بادرة لم أجد غيري من المحققين قد اهتم بها.

7 - الحرص علي تصويب الأخطاء اللغوية والاشارة اليها، وكذلك تصحيف الطبعات مما قد اودي بكثير من الكلمات وغير في معانيها وما وضعت له.

وقد تكون النقطتان الرابعة والسادسة بمستوى كبير من الأهمية في وجهة نظري، ففي النقطة الرابعة: «يقول أو ما سمعته دائرا على ألسنة الأدباء القطيفيين»، فكم من ديوان شاعر حفظ منه في الصدور أكثر مما دون في امهات الكتب، خصوصا اذا كان ذا شهرة ومكانة كشاعرنا ابو البحر الخطي، فبالرغم من مضي ما يربو على أربعة قرون على وفاته فإن شعره مما حفظته القلوب ووعته العقول ورددته الألسن لسلاسته وتنوع موضوعاته ومما لامس هموم منطقته، فهذا مما يحسب للمحقق في حرصه وتتبعه لكل شاردة وواردة مما يخص موضوع التحقيق دون الركون للمصادر المكتوبة فقط.

وفي مثل شعر ابي البحر الخطي فكم كانت تتردد كثير من قصائده على ألسنة العوام فضلا عن اهل الأدب، كقصيدة السبيطية وما شابهها.

ولا تقل النقطة السادسة أهمية عن سابقتها أيضا، حيث ان العناية بالمعاني التي سُبق لها الشاعر وحصرها وردها لأصولها تتطلب جهدا وعملا مضنيا ندر ان يسعى له محقق ما أو ينحو إليه لما فيه من تعب وعناء في البحث والتنقيب في دواوين الشعراء أو ما كتب من سيرتهم، وهي بحق سابقة تحسب له فقد سهل على القارئ التعرف على الكثير من المعاني الشعرية وعلى الشعراء الذين أوردوا هذه المعاني قبل أبي البحر الخطي مما شكل مادة أدبية مستقلة بحد ذاتها.

ثانيا التدقيق:

ونقصد به المراجعة اللغوية او التاريخية او الفنية لمادة البحث، وقد بذل جهدا كبيرا في هذا المجال فساهم بالمساعدة في اخراج الكثير من المقالات والكتب ودواوين الشعراء، إضافة لعنايته بالتدقيق في تراث المنطقة وجمع كل ما يخصصه ونشره تباعا في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية.

فمادة البحث تحتاج قبل ان تخرج للطبع، للتنقيح والتصحيح والتدقيق لتكون بالمكانة اللائقة، فهي تحتاج اذا لشخص يكون ملما بحيثياتها وجوانبها وكل ما يرتبط بها من نشأة أو تكوين او ارهاصات أخرى.

وقد انتج من مساهمته في هذا المجال ظهور الكثير من نتاج المنطقة، كرباعيات عبد الله الجشي أبو قطيف، وذكرى المرحوم محمد سعيد المسلم، وغيرها مما نشر في مجلة الواحة أو في غيرها من الصحف والمجلات أو ما سلط عليه الضوء في الأمسيات الأدبية والثقافية.

وختاما نسأل الله له طول العمر ودوام الصحة والسلامة وأن يمتعنا بفوائده وجليل خدماته آمين رب العالمين.