آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:12 م

استرضاء الأقوياء

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك البعض تبعا لرغبات الأقوياء، من اجل الحصول على صك الولاء، وإظهار الطاعة التامة، وازالة الشكوك بخصوص الإخلاص، والخضوع التام، حيث يتجلى في التماهي التام مع مواقف الأقوياء في مختلف القضايا، والحرص على احتساب الخطوات بدقة متناهية، بهدف ضمان الرضا من جانب، واحداث حالة من الارتياح لدى ”السيد“ من جانب اخر.

عملية استرضاء الأقوياء تتطلب تقديم الكثير من التنازلات، بحيث تصل أحيانا الى انتقاص الكرامة، وغياب الاحترام المتبادل، فالأقوياء ينظرون للضعفاء باستعلاء وتكبر في العادة، نظرا للشعور بحاجة الضعفاء للحماية على الدوام، مما يفرض استخدام اللغة الاستعلائية في العلاقات الثنائية، بحيث يترجم في الكثير من القرارات ذات العلاقة باستلاب الكرامة، وممارسة الإهانة المستمرة، لاسيما وان الأقوياء يدركون صعوبة خروج الضعفاء من بيت الطاعة، مما يحفز على استخدام الإذلال، والتحقير المستمر، عبر اتخاذ القرارات ذات العلاقة بتحطيم الكيانات الذاتية للضعفاء، والعمل على إظهار الفوقية في التعاملات، الصغيرة منها والكبيرة.

ضريبة الاسترضاء باهظة الثمن على الصعيد الذاتي، حيث يتحول الضعفاء الى أصفار على الشمال، خلال مسيرة العلاقة غير المتوازن، فضلا عن فقدان القدرة على اتخاذ القرارات المستقلة، نتيجة المخاوف من غضب الأقوياء جراء التصرفات الاحادية، مما يفرض الحصول على الضوء الأخضر، قبل الأقدام على قرارات ذات علاقة بالاستقلالية، فالأقوياء ينظرون في الغالب، لكل قرار بنوع من الحساسية، وعدم الرضا، باعتبارها تصرفات غير ”مهذبة“، الامر الذي يستدعي الاستئذان من ”القوي“، والعمل على المراجعة الدائمة محاولة استدراك قبل تفاقم الأمور بشكل سلبي، من خلال اتخاذ قرار العودة للوراء والسريعة عن الخطوات الاحادية، نظرا لما تمثله من خرق للخطوط الحمراء، وتجاوز لشكل العلاقة القائمة بين الطرفين.

اللهث وراء استرضاء الأقوياء، نقطة لا تصب في صالح الضعفاء، حيث يحاول الأقوياء الاستفادة من هذه النقطة لتعظيم الفائدة، وترسيخ قواعد غير قابلة للتغيير في الفترة القادمة، سواء من خلال ممارسة الضغوط لتكريس الضعف، والعمل على الحيلولة دون الخروج عن الدائرة المرسومة، او من خلال قطع الطريق امام المنافسين الساعين لتخريب هذه العلاقة، فضلا عن العمل على تهديد الضعفاء باتخاذ خطوات عقابية، بمجرد التفكير في رسم شبكات علاقات مع المنافسين، باعتبارها من المناطق المحرمة التي ينبغي تجنبها على الدوام، خصوصا وان الطموحات للخروج من دائرة الضعف غير مرغوبة، وتستوجب الكثير من الاجراءات العقابية.

الاستناد على جدار الأقوياء ممارسة مألوفة، لدى الضعفاء على الدوام، نظرا للمخاوف من الاندثار وعدم القدرة على البقاء، جراء الافتقار لمقومات الصمود في معركة إثبات الذات، خصوصا وان الصراع الاجتماعي يستدعي استخدام أدوات القوة للانتصار، ومقاومة مختلف اشكال الذوبان في دائرة الأقوياء، انطلاقا من مبدأ ”اذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب“، وبالتالي فان البحث عن الأقوياء يشكل الخيار الإجباري، للضعفاء للخروج من خطر الاندثار، وفقدان الهوية الكاملة، بيد ان تقديم قرابين الطاعة والولاء للأقوياء، لا تعدو عن كونها شكلا من اشكال فقدان الاستقلالية، والقبول طواعية بالذوبان الكامل في دائرة الأقوياء، فالعملية مصداقا للمقولة الشائعة ”كالمستجير من الرمضاء بالنار“، بمعنى اخر، فان الاستعانة بالأقوياء لتحقيق بعض الانتصارات الوهمية، في المعركة الاجتماعية، تخلق الكثير من المشاكل في المراحل اللاحقة، حيث سيبدأ الأقوياء في فرض الشروط، وممارسة مختلف أنواع القهر وسلب الارادة على الضعفاء، مقابل استمرارية الاستفادة من الغطاء الممنوح لها، الامر الذي يحدث حالة من الصراع بين الخشية من الهزيمة في المعركة الاجتماعية، ومواصلة مشوار الإذلال الصادر من الأقوياء، ومنع اتخاذ القرارات دون الحصول على الموافقة المسبقة.

بكلمة، فان سياسة استرضاء الأقوياء، تنم عن خواء داخلي لدى الضعفاء، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وانعدام الإرادة في تحمل كافة التبعات المترتبة عليها، مما يدفع البعض لمحاولة الحصول على غطاء، من اطراف قوية للتخلص من الضعف الداخلي، وبالتالي فان استرضاء الأقوياء يحمل في طياته الكثير من المخاطر، على الصعيد الذاتي، واحيانا على الإطار الاجتماعي، نتيجة التحكم في القرارات المصيرية، وعدم القدرة انتهاج سياسة استقلالية، بعيدا عن التدخلات الخارجية.

كاتب صحفي