آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

التعليم عن قرب

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

للتعليم رونق يقوم على التواصل الإنساني أساسا بين التلميذ وأستاذه وأقرانه. تواصل متعدد الأبعاد والحواس، ينتج عنه نقل للمعرفة واكتساب معارف وصداقات قد تدوم عمره كله. ولسبب أو لآخر حافظت البشرية على هذا النموذج من التعلم عبر القرون، إلا من تغييرات لم تمس جوهر النموذج أبدا، فقد كان جل المستجدات وسائل مساعدة، سبورة وطباشير ثم مقاعد ومناضد فآلات عرض واسترجاع. لكن، بقي التواصل الإنساني هو الثابت والمرتكز. وفي وقتنا الراهن، يتعرض هذا النموذج إلى ضغوط هائلة قد تهدد وجوده، كما يحب البعض أن يتخيل. وكيف تهدد وجوده ونحن نجد أن الجميع يبدي تبرمه من ”التعلم عن بعد“ كوسيلة لتلقي التعليم المنتظم للمراحل الأولية من التعليم العام. فالتربويون يلهجون بصوت واحد تقريبا أن ما يفوت التلميذ نتيجة ”التعليم عن بعد“ لا يعوض، ففي العمر الغض يكتسب التلميذ من تواصله أكثر مما يتلقى من التلقين، وينمي من المهارات نتيجة مخالطة أقرانه أكثر مما يختزن من مشاهدة مقاطع الفيديو المعلبة.

وككل شيء أتت الجائحة وقلبت المعتاد رأسا على عقب، وأصبح خيار ”التعليم عن بعد“ خيارا في الواجهة، فهل هو الوحيد؟ بالقطع لا، فهناك من يدافع عن خيار ”التعليم عن قرب“ شريطة اتباع الاحترازات، وأخطار هذا الخيار واضحة. كيف يمكن تحقيق التباعد لأطفال صغار، يأتون للروضة أو المدرسة الابتدائية من أجل اللعب، أو حتى من أجل أن يتمكن آباؤهم وأمهاتهم من الذهاب إلى أعمالهم؟! هذا يعني أن أمامنا خيارين لا ثالث لهما، إما ”تعليم عن بعد“ يفقد التعليم رونقه ومعدنه، وإما ”تعليم عن قرب“ يعرض الطفل وأهله لخطر العدوى بالجائحة؟ بالتأكيد هناك خيارات أخرى تقع بين بين، كما أن هناك خيار الوقت، بمعنى أن الجائحة ستنقضي وتتلاشى يوما وتعود الحياة إلى رتابتها، ويعود التعليم عن قرب ليعيد التلاميذ إلى بعضهم بعضا تجمعهم ساحات مدارسهم ومقاعد صفوفهم. لكن من بوسعه أن ينتظر أمرا ليس واضحا أمده، فقد يستمر عاما أو اثنين ريثما تتوافر اللقاحات لمليارات البشر! وهكذا، فلابد من حل ناجز. بدأت تظهر دراسات تقول إن تجربة ”التعليم عن بعد“ قد تكون ناجحة شريطة استباقها بتدريب الطاقم الإداري والكادر التعليمي والتلاميذ على النموذج الجديد من حيث الوسيلة والوظائف، حتى يكتسبوا مهارات وقدرات تمكنهم - كل في مجاله - من التعامل مع التجربة الجديدة، وهي تجربة لن تمكث طويلا، إذ إن ”التعليم عن بعد“ ليس أكثر من مسعى لإسعاف التعليم ريثما ترحل الجائحة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد عبدالمحسن
[ الدمام ]: 9 / 9 / 2020م - 8:35 م
التعليم الحضوري ( التقليدي ) والتعليم عن بعد لكل منهما إجابياته وسلبياته.
بعيداً عن التوصيف، التعليم عن بعد ومنها التعليم عبر المنصات الافتراضية هو ليس بالأمر الجديد، فالتعليم والتعلم لما بعد المرحلة الثانوية و كذلك الدورات التدريبية هو أمر شائع في بعض الدول، لكن التعليم في المرحلة الثانوية ومادون ذلك هو أمر حديث عهد الى حد ما، وهو يواجه عقبات وخاصة في المرحلة الابتدائية،والامر الاكثر صعوبة هو لطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
هل تم التهيئة ( عدد وعدة ) لهذا النوع من التعليم لضمان نجاح العملية التعليمية، الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل..!!..
كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى